تونس ـ العرب اليوم
رغم أن القضاء التونسي أدلى بدلوه في قضية مقتل لطفي نقض القيادي السابق في حزب نداء تونس، وقضى بعدم سماع الدعوى إلا أن الحكم اصطدم بردود أفعال نارية شككت في استقلالية القضاء ونزاهته.
فبعد أن قضت الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية بمدينة سوسة (وسط تونس) الاثنين 14 نوفمبر/تشرين الثاني بعدم سماع الدعوى بالنسبة إلى المتهمين في مقتل لطفي نقض المنسق المحلي لحزب نداء تونس بولاية تطاوين جنوبي البلاد، تعالت خلال الأيام الماضية أصوات منددة بالحكم القضائي.
وكانت وفاة لطفي نقض في أكتوبر/تشرين الأول 2012 أثارت ضجة سياسية في البلاد ووصفها مؤسس حزب نداء تونس الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي يومها بأنها "اغتيال سياسي".
وتوفي لطفي نقض المنسق المحلي لحزب نداء تونس، خلال اشتباكات مع مجموعة ينتمون إلى رابطة حماية الثورة، وهي مجموعة متهمة بالوقوف وراء العديد من أعمال العنف منذ ثورة يناير 2011 لكن تم حلها فيما بعد.
ووفقا لنداء تونس، فإن لطفي نقض تعرض للضرب أثناء هجوم لمتظاهرين ضد مقر النقابة التي كان مسؤولا عنها.
وكانت وزارة الداخلية في ذلك التاريخ، أكدت أعمال العنف لكنها قالت إن الضحية أصيب ب"نوبة قلبية".
وعلى خلفية الحادثة، اعتقل 4 أشخاص منذ عامي 2012 و 2013 اثنان بتهمة القتل وآخران بتهمة التواطؤ.
هذا الحكم القضائي الذي صدر بعد 4 أعوام من الحادثة شكل "صدمة" لدى عائلة لطفي نقض، واعتبرت أرملة نقض أنه حكم جاء نتيجة ضغط مورس على القضاء التونسي متهمة نواب حزب نداء تونس الحاكم بالتحالف مع حركة النهضة وبيع قضية زوجها.
وفي تصريح لـRT، أكد محامي عائلة نقض، مراد دلش أن الحكم كان صدمة شديدة بعد 4 سنوات من الانتظار لحسم مسألة الخلاف ما بين القتل العمد أو الخطأ.
ولفت محامي الدفاع إلى أنهم تقدموا باستئناف الحكم على أمل إنصاف القضاء وكشف الحقيقة الكاملة حول مقتل لطفي نقض وتحديد الجناة.
وفي تعليقه حول الاتهمات التي لحقت بالمؤسسة القضائية إبان صدور الحكم، أكد مراد دلش أن التشكيك في استقلالية القضاء حركته بالفعل قضية لطفي نقض لأن المحاكمة كشفت نواقص عدة في القضاء، مضيفا أن التشكيك في القضاء كان موجودا أيضا قبل هذه القضية، على حد قوله.
من جانب آخر، سارعت حركة نداء تونس في أعقاب الحكم، إلى إصدار بيان أعربت فيه عن صدمتها الشديدة من الحكم، فيما وصف القيادي في نداء تونس، بوجمعة الرميلي، الحكم بـ "الصدمة الشديدة على التونسيين".
وأشار الرميلي في حديثه إلى أن القضية "مسيسة" في الوقت الذي تحتاج البلاد إلى توافقات أكبر، خاصة مع الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد.
وفي المقابل، أبدى محامي المتهمين حاتم شلغوم استبشاره بأحكام عدم سماع الدعوى بعد 4 سنوات من الإيقاف، مشككا في دوافع القضية المبنية على مغالطات سياسية وإعلامية وأن "لطفي نقض توفي جراء إصابته بنوبة قلبية، وهذا يعني أن العنف ليس سبب الموت كما أثبتت الوثائق الطبية".
واستطرد بقوله أن ما يحصل اليوم من تشويه لصورة القضاء التونسي هو أمر مخز ويعطي إشارة سلبية لصورة تونس، وأن ما يتردد حول الضغط على القضاء لصدور هذه الأحكام لا صحة له مطلقا.
هذا وتُتهم حركة النهضة بالوقوف وراء إصدار هذا الحكم، والضغط من ِأجل "تبرئة" المتهمين المحسوبين على ما يسمى بـ "روابط حماية الثورة" المنحلة، إلا أن النائب عن حركة النهضة بسمة الجبالي نفت لـRT، جميع تلك الاتهامات المنسوبة للحركة.
وقالت إن النهضة لو رغبت في التدخل في مجريات القضية لكانت تدخلت منذ 4 سنوات ولما انتظرت طيلة هذا الوقت كما يزعمون.
وفي خضم هذا الجدل الذي لم ينته بعد صدور الحكم الابتدائي في قضية مقتل نقض وتوجيه انتقادات حادة للقضاء، أصدرت جمعية القضاة التونسيين بيانا نددت فيه بحملات التهجم على القضاء.
هذا ودعت جمعية القضاة التونسيين إلى الثبات على حسن تطبيق القانون وتكريس ضمانات المحاكمة العادلة في كنف الاستقلالية التامة والحيادية، ودون الخضوع لاضطرابات السياق السياسي وحملات تجييش الرأي العام.
وفي تفاصيل البيان، تحدث أنس حمادي نائب رئيس جمعية القضاة التونسيين لـ RT قائلا إنه من واجب الجمعية حماية القضاة والتصدي للهجمات التي تطالهم، سيما بعد نعتهم بـ" الدواعش" من قبل أحد النواب، وهو ما أثار حالة من الصدمة في صفوف السلك القضائي.
وفي حديثه عن قضية مقتل نقض، أوضح أنس حمادي أن الحكم الجنائي صادر عن هيئة قضائية مؤلفة من 5 قضاة لا تقل أقدميتهم في العمل عن 12 عاما، مضيفا أن رئيس الدائرة من الرتبة الثالثة، وهي أعلى الرتب القضائية في تونس.
وجدد نائب رئيس جمعية القضاة التونسيين رفضه لاتهام القضاء بالانحياز وعدم الحياد، مبررا قوله بأن القضاء غير معني بأي حسابات أو تغطية أي استثمار سياسي من أي جهة كانت، والقضاء أصدر حكمه بناء على عديد المعطيات كوثائق الطب الشرعي وغيرها.
فبعد أن طالبت حركة "أطباء ضد الفساد" عمادة الأطباء بمساءلة فريقي الطب الشرعي في قضية لطفي نقض، اتصلنا برئيس المكتب الوطني لعمادة الأطباء التونسيين، نبيل بن زينب، لتوضيح هذه المسألة.
وشدد بن زينب في مداخلته أنه لم ترد أي شكوى أو مطلب رسمي للعمادة حول هذا الأمر، منوها بأن قضية مقتل لطفي تعود إلى عام 2012 وأن الطبيب الذي أصدر التقرير الشرعي الأول قد طالب بالحماية بعد أن طالته حملة تشويه، وقد تدخلت العمادة في ذلك الوقت.
وحول الجدل الذي ظهر مؤخرا بعد صدور الحكم، أفاد نبيل بن زينب بأنه بعد وفاة لطفي نقض، صدر تقريران طبيان، الأول يعرف بتقرير قابس (جنوب شرق تونس) حيث جاء فيه انسداد في الشرايين وتليف، فهم أنه نوبة قلبية.
وأضاف في حديثه أن تقرير قابس قد ذكر الكدمات الظاهرة في جسد الجثة آنذاك، بينما ورد فيما يعرف بتقرير صفاقس انسداد جزئي في الشرايين، وتليف صغير وقديم، وفهم أن الوفاة كانت جراء العنف، علما أن كلا التقريرين لم يتضمنا أسباب وفاة لطفي نقض.
وفي ختام حديثه أكد رئيس مكتب عمادة الأطباء أن القاضي هو المخول الوحيد لإصدار الأحكام، ولافتا إلى أن تقرير الطب الشرعي ليس المعطى الوحيد في هذه القضية.
وعلى ضوء هذا السجال السياسي القائم في تونس على خلفية الحكم الصادر في قضية مقتل لطفي نقض، ثمة إجماع على أنها زعزعت أسس التوافق بين حركة النهضة وحزب نداء تونس، لتدخل البلاد مرة أخرى إلى مرحلة الارتباك السياسي.