بقلم : القاضي فتحي الجواري
الجزاء من جنس العمل، هذه العبارة تلخص جريمة بشعة، ظلت عالقة في ذهني، حيث قام احد اللصوص بقتل سائق سيارة وسرقتها بعد أن استأجره ليوصله إلى مكان ما، والقى جثته في الشارع العام، ليهرب بالسيارة، وعلى بعد أمتار قليلة من جثة القتيل في الطريق، وكان الظلام الدامس يلف المكان، أتت شاحنة ضخمة محملة بالحصى لتصطدم بالسيارة وتحيلها ركاما، وتهرس جسد اللص وهو في داخلها.
وكانت النهاية الحتمية لكل لص وقاتل حتى وأن استطاع أن يفلت من القانون، فان العقاب الالهي لن يستطيع الافلات منه، فهو له بالمرصاد، ففي اثناء محاولته الهرب بالسيارة، حانت لحظة العقاب الالهي فورا قبل أن يستطيع ذلك القاتل ان ينعم بالمال الحرام الذي كان ينتظر ان يجنيه من جريمته لكي ينفقه في سهرة حمراء.
القتيل كغيره من الشباب واجه شبح البطالة فاشترى تلك السيارة لتدر عليه رزقا حلالا مكنه من الزواج ورزقه الله بطفلة كانت هي كل حياته فتهون عليه عناء اليوم الطويل، وهو يبحث عن رزقه، حتى يعود لزوجته وابنته فرحا بما رزقه الله، الا ان ربيب الشر وحفيد الشيطان لم تأخذه به رحمة فقام بقتله بدم بارد واستولى على السيارة وهو لا يفكر الا بالغنيمة التي حصل عليها محاولا الهرب بالاتجاه المعاكس للطريق العام، حتى فوجئ به سائق الشاحنة فلم يستطع تفادي الاصطدام بالسيارة التي كان يقودها.
فإرادة الله انتقمت لمقتل ذلك الشاب البريء، بل لمقتل اسرة باكملها، فقد ترملت عروس، وتيتمت طفلة لم تتعلم بعد ان تنطق كلمة بابا، واثر ذلك تجمع اهالي المنطقة ليضعوا جثة ذلك الشاب الى جانب جثة ذلك اللص، لكنهما لن يتساويا، فكيف يتساوى الطيب والخبيث، القتيل والجاني، الخير والشر.
ولم يتجرأ احد على إخبار الزوجة بما جرى لزوجها، فقد مات الذي كان هو كل حياتها، والذي كانت قد اعدت له الطعام كعادتها وهي تنتظر عودته بعد عناء يوم عمل طويل، وما ان علمت بالفاجعة حتى سقطت مغشيا عليها، اما تلك الطفلة البريئة، والتي لم تكن قد تعلمت النطق، فكأنها عرفت بما جرى لأبيها، فانطلقت في البكاء، ليتحول ذلك البيت البسيط الذي كانت تملؤه السعادة الى منزل للأحزان.
وهكذا فهذه الجريمة وأمثالها ظاهرة تعاني منها العديد من المجتمعات خاصة تلك التي تعاني من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، إذ هي ظاهرة تحتاج الى التوقف والتحليل، فما قولنا حين تسود مثل هذه الجرائم في مجتمعات تحيا في ظل منظومة تكافلية، والتي تتبع في العديد من الدول الأوروبية الغنية مثل المانيا، فهو واقع تعايشت معه خلال رحلة لتلك الدولة حيث حذرني من رافقني في تلك الرحلة بضرورة الانتباه إلى جيبي وأمتعتي، خاصة أثناء تواجدي في مرافق النقل العامة كالمترو حيث تشهد زحاما شديدا فتنتشر فيها السرقات.
فوفقا لتقرير اصدرته الشرطة الجنائية الألمانية خلال عام 2016، تضمن معلومات وارقاما مهمة، اذ تراوحت تلك الجرائم بين تجارة المخدرات، والتزوير، والسرقات. واشار التقرير إلى عصابات محترفة تقف وراء سرقات المحال التجارية، حيث ارتفع عدد السرقات الاحترافية بشكل مطرد، اذ تضاعف عددها إلى 23 الف حالة. وقد امتدت معاناة المواطنين إلى سياراتهم التي يتم سرقتها ثم تهريبها عبر الحدود الأوروبية إلى اوكرانيا.
وهذا ما دعا معظم الأحزاب السياسية أن تطالب في برامجها الانتخابية، إلى زيادة أفراد الشرطة لمواجهة تلك الجرائم وإلى مواجهة ظاهرة تجارة وتعاطي المخدرات. ولكني أتساءل: هل أن زيادة افراد الشرطة يكفي لمواجهة تلك الجرائم، وتجارة وتعاطي المخدرات، والحد منها؟؟؟
فالشرطة الألمانية لم تقصر في واجباتها، فهي متواجدة دوما في كل مكان، فبمجرد وقوع الجريمة والإبلاغ عنها تهرع سيارات الشرطة إلى مكان الحادث خلال دقائق، لتقوم فورا بتطويق مكانه وإغلاق الطرق لتوقيف الجناة!.