إن العرف السياسي المتمثل بالتوزيع الطائفي والقومي لمناصب الرئاسات الثلاث والذي طوع له النظام الديمقراطي بعيدًا عما ينص عليه الدستور، يخضعنا مرة أخرى لمعرفة ثقل القوى السياسية التي انبثقت من التحالف الوطني، على اعتبار أن هذا العرف سيستمر لرئاسة مجلس الوزراء، وأيضًا بحكم عدة عوامل أخرى؛ وقدرة هذه القوى وجاذبيتها لكسب الشركاء الجدد لرسم الخارطة السياسية القادمة.
النصر وسائرون والفتح والقانون، هي القوى التي خرجت من التحالف الوطني بعناوين جديدة ومنها تقليدية، وبما لا يقبل الشك بأن أحد هذه الكتل السياسية هي من ستدفع برئيس الوزراء العراقي 2018_2022، وعليه يتوجب وضع مقاربة لكوامن قوة كل ائتلاف منها .
ائتلاف النصر :
بزعامة رئيس الوزراء حيدر العبادي، رغم أنه حديث التكوين كمشروع انتخابي، إلا أنه يمتلك ثوابت تختلف جذريًا عن أسس وثوابت التحالف الوطني، الذي طالما تموضع طائفيًا 2006_2017، فالنصر يضم أحزابًا وقوائم وشخصيات من مكونات أخرى، فضلًا عن أن طرح المشروع الوطني كبرنامج عمل للائتلاف يحظى بمصداقية كبيرة، لكون رئيس الائتلاف لم يؤشر على أدائه وخطابه أي بعد طائفي أو قومي، ما ساعد بجذب أحزاب مختلفه في قائمته من مختلف الطيف المجتمعي، يضاف إلى ذلك الشروط التي وضعت أمام هذه القوى للالتحاق بالقائمة ستجعل منه الأقرب لرأي الناخب العراقي خصوصًا في إنهاء المحاصصة واختيار شخصيات تتمتع بالكفاءة والنزاهة ومحاربة الفساد وغيرها من الشروط التي تعد سابقة إيجابية في العمل السياسي.
إن شخصية العبادي وإدارته الدولة وماحققه من انتصارات على تنظيم "داعش" ووقف الانهيار الاقتصادي وإحباط تقسيم العراق، كانت حاضرة في عملية تشكيل الائتلاف، نتيجة القبول بنهجه الجديد وستكون حاضرة أيضًا على مستوى لحظة الانتخاب أو مفاوضات ما بعد النتائج.
كل المؤشرات تدلل على أن هذه القائمة سيكون رقمها الانتخابي الأعلى على مستوى النتائج، وهذا سيوفر لها قاعدة رصينة لاستقبال مفاوضات على أساس المشروع الوطني وستكون مرتكزًا للانطلاق نحو فضاءات أخرى، تبدأ من سائرون وتمر بقوى ليبراليه وسنية معتدلة لتنتهي عند قوى كردية .
العبادي وائتلافه سيكون المحور الأساس لرسم المشهد السياسي القادم.
سائرون المدعوم من السيد مقتدى الصدر، سيشهد تغيرًا بسيطًا في عدد المقاعد، بحكم انضمام بعض التيارات المدنية له، لكنه سيكون الأقرب إلى ائتلاف النصر، بحكم تقارب في وجهات النظر والمشروع إلى حد ما، فضلًا عن أنه يتباعد بشكل جذري عن دولة القانون وإلى حد ما مع الفتح، وبذلك تتعزز حظوظ السيد العبادي كرئيس مهندسين لبناء الهيكل السياسي القادم.
الفتح بزعامة هادي العامري قاعدته منظمة بدر، ومن التحق بهم من القوى التقليدية كالمجلس الأعلى أو القوى الصاعدة كالصادقون وغيرها من الأحزاب لبعض الشخصيات، هذا الائتلاف سيعول كثيرًا على رصيد بدر الانتخابي السابق، فضلًا عن استحقاق القتال ضد تنظيم "داعش" الإرهابي، لكن دعوى المرجعية بعدم اشتراك المجاهدين في المشهد السياسي لاستمرار قدسية الدماء والتضحيات، سيقلل من توقعاتهم الرقمية، وستكون الزيادة بنسبة 40% بالنسبة لمقاعد بدر النيابية الحالية .
الفتح ينتظر استحقاقات سياسية على المستوى التنفيذي، لذلك سيجد نفسه أمام لحظة حاسمة للمباشرة بمفاوضات مع ائتلاف النصر والقبول بشروط الأخير للدخول بمشروع الجبهة الوطنية الذي يتبناه العبادي، وهذا مايقنع السيد مقتدى الصدر بتعزيز هذا التوجه نحو الدولة وسيادتها ودستورها .
دولة القانون بزعامة نوري المالكي، أحد القوى التقليدية في التحالف الوطني، تعرض لاهتزازات سياسية نتيجة :
أولًا: خروج أحزاب وشخصيات من الائتلاف، مما اضطره سريعًا للتعويض عنها بتشكيل فعاليات سياسية ساندة كحزب الأغلبية الوطنية وحركة البشائر والحزب المدني " وإن انسحب"، إلا أنها قوى تدور بذات المسار .
ثانيًا: لم يتفاوض مع القانون أي حزب سياسي "شيعي أو سني أو كرُدي"، للانضمام للقائمة الانتخابية .
ثالثًا: انسحاب حزب الدعوة من انتخابات 2018، ومن قائمة دولة القانون .
على الرغم من تصريحات قيادات القانون بأن التحالفات ستكون ما بعد النتائج، لكن بتصوري فإن الحال سيستمر على ماهو عليه، فلن يكون هناك تحالفًا بين النصر والقانون ولن يقترب سائرون من القانون، ولن يغامر الفتح باستحقاقات طال انتظارها ويعود للزواج الكاثوليكي بعد الطلاق .
سيواجه القانون صدمة الأرقام وتحالفات تتشكل بسرعة بعيدًا عنه، عندها عليه اتخاذ القرار المناسب .