باها بنكيران مأساة الصداقة في قلب السياسة

باها بنكيران.. مأساة الصداقة في قلب السياسة

باها بنكيران.. مأساة الصداقة في قلب السياسة

 عمان اليوم -

باها بنكيران مأساة الصداقة في قلب السياسة

الدار البيضاء- عبدالحميد جماهري

أيًا كانت درجة الثبات عند الواحد منا، لا يمكنه أنَّ يدعي الحياد والبرودة أمام مصاب جلل مثل رحيل عبدالله باها، ومهما بلغت درجة الخصومة لا يمكنها أنَّ تزيف شعور المرارة من فقدان رجل سياسي مثل الراحل باها.

وكيفما كان التسليم القدري، صعب كثيرًا أنَّ يسلم أي كان بفجاعة الموت ولا يستنطق الجثة بعد رحيلها.

ولكن خلف هذا كله، هناك ما كان هنري دومونترلان يقوله: "مأساة الصداقة توجد في قلب السياسة".

ولا بد من أنَّ يذهب التفكير إلى عبدالإله بنكيران ونحن نؤبن عبدالله باها.

والواضح، ولا شك، هو أنَّ بنكيران فقد العقل المدبر، وفقد العلبة السوداء، لكنه فقد في قلب الفاجعة صديقًا، وفيًا، وأهلاً للثقة.

وكثيرون يرون عبدالإله بنكيران، في قلب العاصفة رئيسًا بلا رأس، لكن الأكثر فداحة ولا شك بالنسبة له أنه بقي الآن بلا طمأنينة في قلب التحولات والتمرُّن على قيادة بلاد عصية، بعد دستور غير مسبوق.

ما يستحق الانتباه منا ولا شك، هو هذا التبادل العاطفي، والثقة والتحصين المشترك بينهما، ونموذج العلاقة بينهما.

وكان عبدالإله بنكيران يجتهد طويلاً، في تقديم استعارات عديدة لتوفير البلاغة الكافية لتقديم علاقته بالراحل عبدالله باها: في البرلمان كان يشهده على كل ما يقول (إيلا ما صدقتونيش سولوا باها)، وأحيانًا كان يذهب بالبلاغة إلى ما لا تتصوره اللغة السياسية المتداولة، بنوع من التفجير الذي لا يسلم به العقل السياسي المغربي (أنا اعطيوني غير باها وديرو اللي بغيتو في الحكومة كمثال)، ومرات عديدة يشعرنا أنَّ يشبه الراكب الثاني في سيارة تعليم، وأنه لا يقبض على المقود، إلا من باب التعلم أما السائق الفعلي فهو عبدالله باها.

ولم يتصور أحد، عند كتابة الدستور، أنَّ رئيس الحكومة، سيطرح على العقل الدستوري أمرًا غير مسبوق، عندما دافع عن وضع الراحل كنائب لرئيس الحكومة، وهو ما رفضته الأغلبية قبل المعارضة وقبل مسؤولي الدستور.

ولا أحد سينسى أنَّ زوجة رئيس الحكومة، قد أذهلت الجميع وهي تصرح بعفويتها التي دخلت بها من بعد إلى البيت الأبيض، أنها تشعر بأنها في الدرجة الثانية بعد عبدالله باها عند زوجها رئيس الحكومة.

والذين يشتركون معهما الحياة التنظيمية والجماعية، يذكرون أنه لم يكن يدخل اجتماعًا هامًا في حياة الحزب أو الحركة لا يحضره أولًا عبدالله باها، البرلمانيون يذكرون كيف أنَّ باها كان يلازم عبدالإله بنكيران، وأحيانًا "يقرصه" كي يخفض من انفعاله العالي، كما لو أنَّ الرئيس سلك كهربائي عالي الضغط والآخر هو الطيرموسطا الذي يهدئه.

كل هذا صنع ثنائيًا سياسيًا ومجتمعيًا غير مسبوق، ولكل هذا لا أحد سيسلم بأنَّ عبدالله بعد رحيل باها هو نفسه عبدالإله قبل الرحيل، ونعود إلى مسلمة هنري دومونتريلان، أنَّ مأساة الصداقة هنا توجد في قلب السياسة المغربية.

ويمكن التسليم بأنَّ عبدالإله بنكيران لن يبحث عمن يعوض عبدالله باها في حياته، كما لو أننا نسلم بأنَّ عبدالإله بنكيران نفسه ليس قادرًا على تعويض عبدالله باها عند عبدالإله بنكيران! ولكن سيصبح ولا شك هو ذاته ويحقق نفسه بعد وفاة صديقه.

وإلى ذلك الحين نتأمل ضرورة هذه الصداقة والوفاء والثقة في بناء رجل السياسة في المغرب، ونتساءل: هل يمكن بالفعل أنَّ يكون الإنسان إنسانًا دون صديق حقيقي يفجر فيه أجمل ما فيه، أو أحكم ما فيه أو أدهى ما فيه؟

ولقد عرف الحقل السياسي المغربي الكثير من "الثنائيات"، ومن الصداقات التي تتوافر على مشترك يفوق المعدل الوطني في تبادل الثقة، وعرف أيضًا علاقات ثقة تفوق الوصف، لاسيما بالنسبة لجيل من المناضلين والقياديين الوطنيين الكبار، الذين كانوا يعرفون أنَّ السر هو مخزون السياسي المخصب، كما يمكن أنَّ يكون السم القاتل، والمنهك، وكانوا يدركون أنَّ من لا سر له لا سياسة له، ومن لا رجل سر لديه، لا نضال له!

ورحم الله عبدالله باها، وأعتقد بأنَّ موجة الحزن العميقة التي أشعر بها شخصيًا على الأقل، ومعي غير قليل من الاتحاديات والاتحاديين، ربما تعود لأنه عاد بنا إلى مكان حزننا، هناك حيث الماء كان القاتل وكانت السيارة أداة الجريمة، وحيث كان القطار المجرم الرسمي في جريمة قتل باها.

وربما أيضًا رسم الرجل حزننا وأعاده الى جمرته الأولى، ولهذا نشعر بفداحة المصاب الذي أصاب عائلته وأصدقاءه وإخوانه وأبناءه، نشعر لأن الموت، ذاتها لم تكن صديقة أحد وهي تطعن من الخلف، مثل صديق غير وفي تمامًا، مثل السياسة في البلاد، كما كان جان واتربوري، يعرف الحقل المغربي منذ الستينات.

omantoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

باها بنكيران مأساة الصداقة في قلب السياسة باها بنكيران مأساة الصداقة في قلب السياسة



GMT 14:41 2023 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

العراق فاتحاً ذراعيه لأخوته وأشقائه

GMT 12:27 2023 السبت ,29 تموز / يوليو

أعلنت اليأس يا صديقي !

GMT 20:01 2021 الجمعة ,12 آذار/ مارس

التراجيديا اللبنانية .. وطن في خدمة الزعيم

GMT 12:52 2019 الأربعاء ,20 آذار/ مارس

قرار المحكمة الصهيونية مخالف للقانون الدولي

GMT 18:56 2018 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

أخونة الدولة

GMT 10:35 2018 الأحد ,02 كانون الأول / ديسمبر

عدن مدينة الحب والتعايش والسلام

GMT 09:10 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

ٰ مواطن يمني يبحث عن وطن بدون حواجز

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 20:41 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 17:31 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

يولد بعض الجدل مع أحد الزملاء أو أحد المقربين

GMT 14:50 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

حافظ على رباطة جأشك حتى لو تعرضت للاستفزاز

GMT 06:18 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أحدث سعيدة خلال هذا الشهر

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab