الإصلاح الاقتصادي والطبقة المتوسطة

الإصلاح الاقتصادي ..والطبقة المتوسطة

الإصلاح الاقتصادي ..والطبقة المتوسطة

 عمان اليوم -

الإصلاح الاقتصادي والطبقة المتوسطة

بقلم - الدكتورة يمن الحماقى

رغم أنه كان من المفترض أن يتم استكمال مقال "نحو خريطة طريق للعمل التطوعي في مصر"، فإن مقتضيات الأمور من حيث إقرار الموازنة العامة 2018/2019 من مجلس النواب وما تم الإعلان عنه في جلسات مناقشة الموازنة من قرارات للحكومة لزيادة موارد الدولة متضمنة تحرير أسعار الطاقة وقرارات تحقيق الحماية الاجتماعية ما يتطلب أهمية تحليل آثار هذه القرارات في الطبقتين المتوسطة والفقيرة لأهميتهما  في تحقيق التوازن والاستقرار الاجتماعي، وما لذلك من ضرورة حيوية في هذه المرحلة المهمة التي تواجه فيها مصر تحديات خطيرة إقليمية ودولية ومحلية، ويتطلب الأمر الإجابة عن سؤالين مهمين:

التساؤل الأول: ما حتميات اللجوء إلى هذه القرارات؟ وهل كانت هناك بدائل أخرى للتخفيف من حدتها؟

التساؤل الثاني: هل إجراءات الحماية الاجتماعية التي تم اتخاذها من قبل الدولة كافية لمواجهة الآثار السلبية لهذه القرارات في الطبقتين المتوسطة والفقيرة؟

وبالنسبة للتساؤل الأول:

فقد أعلنت الحكومة أن سياساتها تعتمد على تحرير أسعار الطاقة ما يعني خفض الدعم، وأكد مسؤولو صندوق النقد الدولي أهمية ذلك لتحقيق الكفاءة الاقتصادية في استخدام الموارد باستخدام الأسعار الحقيقية للطاقة، ما يعني أن تنفيذ مصر لالتزاماتها أمام الصندوق يتطلب تحرير الأسعار، ولكن هل هناك أي دراسات تمت حول آثار ذلك في ارتفاع الأسعار؟، ليس فقط بالنسبة للسلع الاستهلاكية ومدى أهميتها لجميع طبقات المستهلكين من الطبقتين المتوسطة والفقيرة، ولكن أيضا والأكثر أهمية تكاليف الإنتاج وهي أساس لتنافسية الإنتاج التي تعول عليها مصر في زيادة الصادرات، مع الأخذ في الاعتبار أن تحرير الأسعار سيشمل جميع أنواع الوقود ومن ثم تكلفة النقل التي تلعب دورا مهما في التأثير في دخول المواطنين الحقيقيين وكذلك نقل السلع ما يسهم في ارتفاع أسعارها.

وقد زامن توقع رفع أسعار الطاقة في القريب العاجل رفع أسعار المياه والصرف الصحي وزيادة رسوم تراخيص السيارات والمحمول والجوازات، ما يعني أنه بالنسبة للطبقة المتوسطة فإن تكلفة المعيشة سترتفع بنسبة مؤثرة، وإذا ما أضفنا إلى ذلك عدم كفاءة السوق المصرية والتي يترتب عليها في معظم الأحيان أن الزيادات الحقيقية لارتفاع الأسعار في السوق عادة ما تفوق الزيادة المقدرة من الحكومة، يأتي هذا في توقيت صعب لم يحقق فيه الإنتاج تعافيا من آثار تحرير سعر صرف الجنيه المصري، حيث مازالت قضية المشروعات المتعسرة لم تجد حلا حتى الآن وهي تمس الطبقتين المتوسطة والفقيرة بشكل مؤثر، كذلك لم تتم الجهود الكافية لتحويل القطاع غير الرسمي إلى القطاع الرسمي، يضاف إلى ذلك عدم استغلال الطاقات العاطلة في شركات قطاع الأعمال العام والتي يمكن أن تكون مجالا مهما لإتاحة فرص عمل للطبقتين المتوسطة والفقيرة ورفع مهارات العاملين في هذه الشركات، ما يمكن أن ينعكس في زيادة دخولهم، فهل قامت الحكومة بدراسة آثار هذه التداعيات؟ وهل تم حساب آثار ذلك على المستوى الكلى حيث يمكن أن يترتب على ارتفاع الأسعار رفع الفائدة مرة أخرى للحفاظ على الودائع، ما ينعكس سلبا على فرص الاستثمار التي بدأت تتحسن بالاستفادة من المشروعات القومية الكبرى.

إن هذه الآثار المتوقعة تتطلب اهتماما كبيرا من الحكومة بمساعدة المجتمع المدني لتحديدها بدقة بما يكفل اتخاذ الخطوات الجادة والفعالة لمواجهة آثارها.

وهنا يأتي التساؤل الثاني:

فبالنسبة لإجراءات الحماية الاجتماعية التي تم اتخاذها من قبل الحكومة لمواجهة تداعيات ارتفاع الأسعار التي تتمثل في رفع الأجور والمعاشات فإنها بالقطع - وفقا لتجارب سابقة- رغم أعبائها الكبيرة على الموازنة التي قدرت بـ 60 مليار جنيه، فإنها بالنسبة لكل مواطن من الطبقتين المتوسطة والفقيرة لن تستطيع مواجهة ارتفاع الأسعار، ومن ثم فإنها تسهم في زيادة عجز الموازنة دون آثار إيجابية مهمة في المواطن، هذا فضلا عن الآثار التضخمية لها التي تأتى من زيادة الأجور دون أن يقابلها بالقطع ارتفاع في الإنتاجية.

وإذا أضفنا الجهود التي تتم من قبل الحكومة للحماية الاجتماعية فإن من أهمها بطاقة التموين التي تشهد تقدما كبيرا في تنقية البطاقات لتذهب لمستحقيها، ولكن لا يمكن إغفال معاناة المواطنين من حذف بعض أفراد الأسرة دون مبرر وكذلك فقد البطاقات وصعوبة استعواضها وهو ما نراه في كثير من البرامج التي تحاول مساعدة الطبقتين المتوسطة والفقيرة في مواجهة عدم كفاءة بل الفساد في إدارة هذه المنظومة المهمة.

وبالنسبة لتكافل وكرامة ورغم الجهود الجادة التي تتم لتفعيل دورها لمساندة الطبقات الفقيرة فإن الدراسات تشير إلى محدودية آثارها في مواجهة الآثار القاسية للإصلاح الاقتصادي وبعد فإن العرض السابق إنما يوضح أن تكلفة الإصلاح الاقتصادي ستكون قاسية جدا على الطبقتين المتوسطة والفقيرة ما يحتم التركيز على أولويات المرحلة المقبلة .

هذه الأولويات فيما يلي:

(1) ضرورة استغلال الطاقات العاطلة في مصر لصالح الطبقتين المتوسطة والفقيرة وتتمثل هذه الطاقات كما سبق أن ذكرنا في:

- معالجة مشاكل المشروعات المتعسرة وفق خطة زمنية واضحة تتم متابعتها بدقة.

- وضع خطة لتحويل القطاع غير الرسمي إلى قطاع رسمي على أن يتم ذلك قطاعيا مثال ذلك الملابس الجاهزة، الجلود وغيرهما.

- تعظيم استغلال الطاقات العاطلة في شركات قطاع الأعمال العام بأن تتضمن الخطة التي تتم حاليا استفادة العاملين في القطاع بتطوير قدراتهم وكذلك إتاحة فرص لمستثمرين صغار للاستفادة من الطاقات العاطلة.

(2) التركيز على تعظيم استغلال الموارد البشرية وهو ما جاء في خطاب الرئيس السيسي لحلف اليمين عن حق حيث لابد أن نعترف أن لدينا قصورا واضحا في هذا المجال يتطلب ما يأتي:

 

- تصميم استراتيجية للتدريب والتشغيل تعمل على استغلال مراكز التدريب الكثيرة غير المستغلة في مصر لتلبية الطلب في سوق العمل، - تطبيق قانون الخدمة المدنية من حيث رفع مهارات الجهاز الحكومي، ومع احترامي للجهود التي تتم في هذا المجال، فإنه دون توصيف وظيفي للعاملين وفقا لهيكل إداري يحقق أهدافا محددة لن نتقدم خطوة في هذا المجال.

- تشبيك وتكامل المجتمع المدني مع الحكومة لتحقيق التنسيق بين جانبي العرض والطلب في سوق العمل، - تنسيق الجهود الكبيرة التي تتم الآن في مجال المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر والاهتمام باستهداف شباب الطبقتين المتوسطة والفقيرة مع التركيز على المرأة.

(3) لا بد من تكثيف الجهود لإتاحة السلع الأساسية المهمة التي تمثل جزءا كبيرا من استهلاك الأسر المصرية المتوسطة والفقيرة بأسعار معقولة لكسر الاحتكارات ومواجهة ارتفاع التكاليف الناتجة من زيادة الوسطاء بين المنتج والمستهلك.

نقلاً عن جريدة الأهرام الاقتصادي

omantoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإصلاح الاقتصادي والطبقة المتوسطة الإصلاح الاقتصادي والطبقة المتوسطة



GMT 10:08 2018 الأربعاء ,11 تموز / يوليو

استراتيجيات تخفيف الفساد

GMT 22:12 2018 السبت ,07 تموز / يوليو

الزيادة السكانية قنبلة موقوتة

GMT 14:43 2018 الإثنين ,11 حزيران / يونيو

صندوق سيادي للثروة

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 19:13 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 عمان اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 18:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 عمان اليوم - مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 09:01 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 أكتوبر / تشرين الأول لبرج الاسد

GMT 21:16 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab