بقلم : سليمان أصفهاني
بعد أعوام من الغوص في نجومية استثنائية رافقته حتى في الوعكة الصحية التي سببت له الشلل النصفي المؤقت مازال جورج وسوف حالة تجمع في مضمونها أحوالًا فنية وإنسانية متناقضة استطاعت أن تجذب الانتباه إليها دون تراجع رغم كل الأزمات التي مرت بها خلال المراحل الماضية حيث دخل ذلك القادم من قرية " كفرون " في محافظة حمص السورية إلى عمق المعادلة الطربية العربية و تحول مع مرور الأيام إلى أسطورة بالنسبة لشريحة كبيرة من الجمهور العربي انطلاقًا من كاريزما خاصة غير تقليدية فيها ما يكفي من الموهبة و العفوية و الخصوصية و الوضوح و الغموض في آن واحد, ولاشك أن تجربة الموهوب الذي تبنى طاقته الفذة في البداية الراحل جورج يزبك تطورت مع مرور الأيام وهي بدأت من لبنان وتوسعت آفاقها عربيًا بعد التعاون مع الملحن المصري شاكر الموجي الذي عرف كيف يعطي الوسوف مفاتيح الانتشارعبرأغنيات كانت أولها اغنية " بتعتبني على كلمة " و بعدها كرت سبحة الإنجازات حتى بات صاحب الصوت القوي " سلطانًا للطرب " ولم تتوقف عجلة إنجازاته رغم المزاجية التي يتخلى بها عند حد معين بل وبقيت على اندفاعها إلى الأمام و ربما بلا تخطيط مسبق لأن الارتجال كان و مازال سيد الموقف في تجربة غنائية لا تشبه إلا نفسها في الوطن العربي .
جورج وسوف استطاع أن يصنع من التحولات التي مر بها مدرسة قائمة على الذوق الرفيع على مستوى الغناء والقدرة على انتقاء الأفضل حيث لم يتراجع ذلك الكيان الفني ولو خطوة إلى الخلف على مستوى الجودة في الأطروحات الغنائية التي بقيت ضمن مسار الخصوصية والفن الجميل دون أن تفقد رونقها أو بصمتها الخاصة التي طالما تحلت به عبر الصوت "الوسوفي" الذي كان من البديهي أن يتغير مع مرور الأيام إلا أن الإحساس بقي على ما هو عليه وكذلك التأثير في الشارع الشعبي، وقد ترجمت الحفاوة بالحضور الكثيف في الحفلات التي قدمها بعد أزمته الصحية إضافة إلى الإطلالات التلفزيونية التي حصد من خلالها أعلى نسبة مشاهدة ليؤكد بقائه في موقعه المتقدم تحت الأضواء، وكأن كل الثغرات التي تسللت إلى مسيرته الفنية مجرد فواصل عابرة لم تأخذ منه وجوده و لم تجرده من قدرته على العوم عكس كل التيارات الفنية السائدة أو العابرة في بعض الأحيان .
ربما تكون حياة جورج وسوف الأكثر جاذبية في حال تحولت إلى عمل تلفزيوني درامي كونها تحمل في مضمونها محطات فريدة و غير عادية إلا أنه رغم كل المحاولات مازال يرفض تلك الناحية وحتى أن بعض العروض التلفزيونية الهادفة إلى تأريخ سيرة حياته لم تجد أي تجاوب من قبله خصوصًا أن ثمة مزيج بين فنه و خصوصيته لا يقبل أن يصار وضعه في خانات الإعلام لاعتبارات عديدة مع العلم أنه يدرك تمامًا أن أي عمل فني سيطرق إلى تجربته في مجال الفن و الشهرة سيحمل صبغة استثنائية و ربما الأيام ستجعله يغير قراره حول صوت الطفل المعجزة الذي بات معجزة في عالم الفن العربي .
جورج وسوف حالة لا تتكرر و هي هبة يردد دائمًا شكره لله عليها .