بقلم - القاضي ناصر عمران
الزواج لغة يعني الاقتران، وقد ورد بهذا المعنى في قوله تعالى: "وإذا النفوس زوجت"، وعرف الزواج شرعاً بأنه: "عقد يبيح لكل من الرجل والمرأة الاستمتاع بالآخر على الوجه المشروع" أما قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 المعدل فقد عرف الزواج في المادة 3 بأنه : "عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعا غايته إنشاء رابطة للحياة المشتركة" والزواج عقد رضائي ذو طبيعة خاصة، وليس من العقود الشكلية التي يستلزم لها شكلية معينة للانعقاد، فالتوثيق غير لازم لشرعية الزواج أو صحته أو نفاذه أو لزومه، وإذا كان قانون الأحوال الشخصية العراقي المعدل قد وضع عقوبة في المادة العاشرة الفقرة الخامسة فان هذه العقوبة وضعت لتنظيم عقود الزواج والقضاء على ظاهرة الزواج خارج المحكمة من دون مس بصحة أو نفاذ أو لزوم العقد، وهناك أركان وشروط لانعقاد وصحة عقد الزواج ذكرتها المواد (الرابعة والخامسة والسادسة بفقراتها" من قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 ولا يختلف عقد الزواج بأركانه عن العقود الأخرى وهي "التراضي "الإيجاب والقبول" والمحل والسبب" ويجب توفرهما لتتحقق ماهية عقد الزواج .
وشروط انعقاد الزواج تتنوع إلى نوعين: لأن منهما ما يرجع إلى العاقد ومنها ما يرجع إلى مجلس العقد. فأما ما يرجع إلى العاقد من شروط الانعقاد فهو شرط واحد. وهو: أن يكون العاقد عاقلاً، فلا ينعقد الزواج إذا كان العاقد مجنوناً أو صبياً لا يعقل لأن كل واحد منهما ليس أهلا للتصرف. وأما ما يرجع إلى مجلس العقد من شروط الانعقاد فثلاثة شروط هي :
الأول: أن يتخذ المجلس الذي صدر فيه الإيجاب والقبول .
الثاني: أن يسمع كل واحد من العاقدين كلام الآخر ويفهم ما يراد به، فلا ينعقد الزواج إذا كان أحد العاقدين أصم، ولا إذا كان أحدهما لا يفهم المراد من الكلام.
الثالث: ألا يخالف القبول والإيجاب في شيء يُعد عند التحقيق مخالفة، وذلك بأن يختلف المعقود لهما أو أحدهما أو يكون ما ذكر في عبارة القبول شرا مما ورد في الإيجاب سواء أكانت المخالفة في كل جزء من أجزاء الإيجاب أم كانت في بعض أجزائه دون بعضها الآخر، وعقد الزواج الإلكتروني الذي يتم بين الطرفين يُلزم ان يكون هناك إيجاب ولا يشترط أن يكون من الرجل أو المرأة، فأي منهما كان صاحب الإيجاب "العرض" على أن يصدر من الآخر قبولاً بعد تلقيه الإيجاب وعلم الموجب بنتيجة القبول، وطريقة الإيجاب والقبول يمكن أن تكون شفاها أو كتابةً، وتتم في الاتصال الإلكتروني بشكل واضح وصريح ،على أن يكون كلا الطرفين معرفا لدى الآخر مع توفر شروط انعقاد المجلس، فاذا قام احد طرفي العقد الإلكتروني بطلب من الآخر الزواج وقبول من الآخر ورددت الصيغة الشرعية الخاصة بالزواج، مع مراعاة الجانب الشرعي بخصوص شهود عقد الزواج طبقاً للمذاهب الفقهية التي توجب شاهدين لعقد الزواج، ويمثل الزواج الإلكتروني مثالا لتطبيق انعقاد مجلس العقد عن طريق الاتصال الإلكتروني الذي تنوع واصبح بالإمكان الحديث بالصوت والصورة عبر دائرة إلكترونية .
أن ظاهرة الزواج عبر الإنترنت "الزواج الإلكتروني" التي تتلخص بتقديم طالب البحث عن شريك لحياته نبذة مختصرة عن شخصه ومواصفاته ويدعو الآخر إلى الاقتران به او يقوم الشخص باختيار الشريك المناسب بعد اطلاعه على المعلومات والمواصفات الشخصية المنشورة على أحد المواقع المتخصصة في شبكة الإنترنت أو التعارف الشخصي نتيجة الممارسة التقنية للشبكة العنكبوتية ويتم من خلاله انعقاد مجلس الزواج بين الطرفين وهو النموذج الحقيقي للزواج عبر الإنترنت، أما العرض في المواقع المتخصصة فلا يعني عقدا للزواج، وإنما هو عبارة عن دعوة للاقتران (المأذون الإلكتروني ) وتمر بمرحلة من التفاوض والضمانات لتصل إلى مرحلة الخطبة والعقد بعد ذلك ولا غبار من الناحية القانونية حول الإجراءات المتبعة بخصوص ذلك فتشعب الحياة ودخول التكنولوجيا يقابله جمود في العلاقات الاجتماعية تبيح للرجل والمرأة خلق مساحات وفواصل علائقية تنتج اقترانا بينهما لذلك لجأ البعض إلى استخدام التقنيات الإلكترونية في التعارف والاقتران، أما البعض وبنسبة اكبر فقد وجد في هذه المواقع فرصة للتعبير عن الكبت النفسي والبحث عن الآخر الذي يتلاشى حضوره الاجتماعيً ليزداد حضوره التقني وهي مناسبة لتحقيق رغباته متشحا بدعوة التفاوض والعرض للوصول إلى الآخر الذي ربما يعتقد انه يشاركه فرصة بناء علاقات عاطفية تحت غطاء شرعي وفي الأغلب يكون العقد العرفي الطريق لذلك.
من خلال التطبيق العملي يؤكد القضاء العراقي في المنازعات الخاصة "بإثبات العلاقة الزوجية" في أحكامه على مدى قدرة المدعي بإقناع المحكمة بوجود علاقة زوجية سليمة حتى لو تمت تلك العلاقة عن طريق الإنترنت ويتم ذلك بجميع طرق الإثبات ومنها إقرار المدعى عليه بالزوجية ولا يعول فقط على العقد العرفي والذي يطلق على عقد الزواج غير الموثق بوثيقة رسمية، سواء أكان مكتوبا أو غير مكتوب وينصب عمل المحكمة على إثبات الزواج مع التأكيد على توافر الشروط الخاصة بالانعقاد والصحة والنفاذ واللزوم، ويؤكد القضاء عند نظر الدعوى إلى خطورة عقد الزواج لما له من أهمية اجتماعية ودينية وما يتمخض من خلاله عن حقوق والتزامات تتجاوز الطرفين في جوانب منه، إلا أن العقود الإلكترونية وان حققت الشروط العامة في العقد فإنها تثير عدة إشكاليات قانونية منها أن غاية عقد الزواج حسب المادة 3 هي "الحياة المشتركة و النسل" الذي يعني ديمومة التواصل الحياتي والذي يعني تحقق الوحدة المكانية والتلاقي.
و إن ظاهرة الزواج الإلكتروني هي نوع من إفرازات الطبيعة الاجتماعية الإنسانية التي وجدت نفسها محكومة بجمود علائقي يفترض التفرد والتوحد، فكانت ممارسة اجتماعية بديلة وهي بحاجة إلى دراسة موضوعية تأخذ بيد التجارب الناجحة وتطورها وتحارب وتردع السلوك الشاذ والمخالف ويكون ذلك عبر منظومات دراسية وتشريعية دراسية عبر فهم الماهيات المتعددة للرابطة الزوجية بنواحيها، بيولوجيا ونفسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وضمن سياقات حضارية وتشريعية عبر قوانين تنظم العلاقة الزوجية بمتنافساتها الإلكترونية وبشكل هادف وواع يأخذ الجوانب الشرعية والعادات والتقاليد الاجتماعية الإيجابية، فلا يمكن لنا أن نكون كالنعامة التي تدفن رأسها، فالطرق الاجتماعية الخالقة للاقتران بين الرجال والنساء صارت ضيقة والبحث عن شريك في عوالم الماديات واقتصاد السوق والاعتماد على التقنية بشكل واسع أحدث أزمة كبيرة في مجتمعاتنا الشرقية بحاجة إلى التعويض، وليس هناك أفضل من استثمار التقنيات لمصلحة العلاقات الاجتماعية التي تمتاز بقدرة عالية على بلورة التفاهم وإيجاد المشتركات الضرورية المنتجة للأسرة الجديدة حتى لو كانت ببناء إلكتروني على أن تكون هناك ثقافة ووعي بأهمية ونتائج عقد الزواج وما يتمخض عنه.