بقلم - بكر عويضة
مطلع شهر أبريل (نيسان) يمارس البعض كذباً يسمونه «أبيض»، تطبيقاً لدعابة حمقاء عالمية الطابع تُسمى «كذبة أول أبريل». الحق أن الكذب هو الكذب، ليس له لون. هذا أمر موضع اتفاق حكماء البشر وعقلائهم في مختلف أنحاء الأرض، وباختلاف معتقداتهم. من جهتها، تشاء أقدار الشعوب أن تُبتلى بأحداث معينة في أشهر محددة، فتغدو لتلك الأشهر مكانة تختلف عن غيرها في الذاكرة الجمعية. ضمن هذا السياق، يمكن القول إن شهر أبريل، المُسمى «نيسان» وفق روزنامة دول المشرق العربي، وكذلك في التقويم العِبري، يحظى بمكانة ذات خصوصية في الذاكرة الليبية، ثم اللبنانية، وكذلك الفلسطينية. معلوم أن بعضاً من أحداث أبريل الجسام في لبنان ذات صلة بالحالة الفلسطينية التي نشأت فوق أرضه، والعكس صحيح كذلك. ثم إن التذكير واجب بحقيقة أن أبريل شهد، عبر الأزمان، كثيراً من الأحداث المهمة، لكن الاهتمام هنا هو بالحدث المفصلي بحكم أن تبعاته كانت، ولم تزل قائمة حتى يومنا هذا.
إذ ذاك هو الحال، فلنأخذ مِثال الثالث عشر من أبريل عام 1975. ذلك يوم مشهود على الصعيد الفلسطيني - اللبناني. فإثر محاولة اغتيال فاشلة استهدفت الشيخ بيار الجميل، زعيم حزب «الكتائب» اللبناني، واتُّهمت بارتكابها أطراف فلسطينية، انفجر كل المتراكم من عوامل انفجار حرب لبنان الأهلية، التي صار يؤرخ لها بذلك اليوم تحديداً، بلا اكتراث لحقيقة أن جذورها كامنة في أعماق تاريخ صراعات الطوائف في لبنان. أما أبريل الليبي، فشهد محطتين كان لكل منهما تأثير مهم على مجمل مسار حكم العقيد معمر القذافي. أولاهما كانت يوم الخامس عشر من ذلك الشهر عام 1973، حين قاد «الأخ القائد» الانقلاب الناجح على «الإخوة أعضاء مجلس قيادة ثورة الفاتح من سبتمبر العظيم»، وفق التسمية الرسمية آنذاك. فضمن نص ما وُثق تاريخياً تحت عنوان «خطاب النقاط الخمس في زوارة»، أحبط القذافي محاولة عدد من الرفاق الضباط، وفي مقدمهم الرائد عمر المحيشي، الحد من تفرد شخص العقيد في الحكم، بالإصرار على عودة العسكر إلى الثكنات، كي يُفسَح المجال للساسة المدنيين والحكم الديمقراطي.
بعد سبع سنوات، بالضبط يوم الحادي عشر من أبريل عام 1980، فوجئ الليبيون، في الداخل كما الخارج، بثاني المحطتين، إذ شكل إقدام «اللجان الثورية» على اغتيال محمد مصطفى رمضان، المذيع الليبي المعروف عربياً عبر محطة «بي بي سي»، بعد صلاة يوم جمعة في مسجد «ريجنت بارك» بلندن، خروجاً على نهج الليبيين في التعامل بتسامح مع بعضهم، حتى في أوج خلافاتهم السياسية، خصوصاً أن عمليات اغتيال المعارضين استمرت بأماكن عدة.
فلسطينياً، صُدم قادة حركة «فتح»، ومعهم الفلسطينيون والعرب عموماً، مرتين خلال أبريل أيضاً، ولكن في عامين باعدت بينهما بضع سنين. أولاهما وقعت يوم التاسع من أبريل عام 1973، عندما اخترق إيهود باراك كل حواجز الأمن الفلسطيني، ومعه اللبناني، ثم متنكراً بملابس امرأة أجهز على ثلاثة قادة هم محمد يوسف النجار، وكمال عدوان، والشاعر كمال ناصر. ثانيتهما كانت في عام 1988 يوم السادس عشر من أبريل نفسه، أما المكان فهو تونس العاصمة، والقائد هو خليل الوزير (أبو جهاد)، بينما قاد عملية الاغتيال إيهود باراك نفسه، الذي سوف يتفاوض، لاحقاً، مع ياسر عرفات، في كامب ديفيد صيف عام 2000، برعاية الرئيس الأميركي كلينتون، ويصر على إغلاق كل طريق توصل إلى سلام عادل. الآن، بعد أربع وعشرين سنة، ها هو أبريل 2024 يطل على قطاع غزة بتهجير قسري، وتجويع، وتدمير، يستحيل على العالم ككل أن ينسى مدى الدهر. أعجبٌ، إذنْ، إذا قيل إنك يا نيسان عَصيُّ النسيان؟ كلا، على الإطلاق.