اعتزال جونسون وتنحي جمال

اعتزال جونسون وتنحي جمال

اعتزال جونسون وتنحي جمال

 عمان اليوم -

اعتزال جونسون وتنحي جمال

بقلم:بكر عويضة

يوم فاجأ جمال عبد الناصر العالم، بقرار الاستقالة، نهار التاسع من يونيو (حزيران) سنة 1967، كان بوريس جونسون طفلاً ابن ثلاث سنوات فقط؛ فهو مولود في التاسع عشر من يونيو 1964. يوم الجمعة الماضي، مساء ذكرى مرور ستة وخمسين عاماً على مفاجأة عبد الناصر، فوجئ الوسط السياسي داخل بريطانيا وخارجها، بقرار جونسون الاستقالة، واعتزال النشاط البرلماني نهائياً بعدم الترشح مجدداً لعضوية مجلس العموم. يمكن، بل يجب، توقع احتمال أن يصدع قارئ، أو قارئة، بالسؤال التالي: أين العلاقة؟ بل ما وجه المقارنة بين تنحي عبد الناصر، واعتزال جونسون؟

سؤال وجيه، خصوصاً إذا كان صادراً عن أفراد ينتمون إلى شرائح أعمار لم تشهد ما شهد جيلي من نكبات، ثم مآسٍ، سرعان ما تبعتها انتكاسات. بيد أن بعضاً من الأوجه التي تبرر المقارنة بين كلتا الحالتين قد تُفاجئ كثيرين، وربما تدهش آخرين، لكنها، على الأرجح، لن تثير استغراب المهتمين بالربط بين الطبائع الشخصية للسياسيين؛ كونهم بشراً كغيرهم من الناس، وبين سياساتهم، أو، وهذه أخطر، قراراتهم التي يفاجئون بها الجميع، سواء كانوا حولهم، أو بعيداً عنهم، والتي ستكون لها انعكاسات جداً خطيرة تستمر آثارها سنوات قد تطول كثيراً، ومن ثم يطال تأثيرها السيئ أجيال الغد الآتية لاحقاً، رغم أنها غير مسؤولة عن تصرفات مَن سبقوها. حقاً، سمعتُ شخصياً، ولعل بعضكم سمع أيضاً، من شابات وشبان تساؤلات عدة جوهرها هو التالي: ما ذنبنا كي ندفع في حاضرنا، ثم من مستقبلنا، ثمن أخطاء ماضيكم؟

المشكل القائم بالفعل، وليس مفترضاً، يتمثل في إصرار يصل إلى درجة العناد لدى بعض المنتمين إلى جيلي، على رفض مجرد إعطاء الأجيال الشابة الحق في طرح هذا السؤال المنطقي تماماً. هنا يتجلى أحد أوجه المقارنة بين تنحي جمال عبد الناصر، وبين مفاجأة اعتزال بوريس جونسون، التي طفقت تفاعلاتها تحوم في فضاء بريطانيا السياسي، منذ إعلانها قبل بضعة أيام، والتي يقول البعض إنها إنْ نجحت في شيء، فهو التسبب بمزيد من تسميم أجواء حزب «المحافظين»، وإيقاع تشقق أوسع في صفوف حزب ممزق أساساً، مما يعطي التيار المعارض، وخصوصاً حزب «العمال»، فرصاً أكثر لتحقيق انتصار ساحق في انتخابات العام المقبل البرلمانية. دليل ذلك أن القادة العماليين، بادروا إلى المطالبة بتقديم موعد الانتخابات وإجرائها فوراً، مستغلين هشاشة أوضاع المحافظين. في المقابل، كان وقع مفاجأة قرار عبد الناصر التنحي وتحمل مسؤولية زلزال الهزيمة، هو جمع شتات المصريين، ومعهم جموع العرب كافة، بعدما أفاقوا على هول الكارثة، ورأوا، من جانبهم، أن التمسك بزعامة الرئيس المستقيل، إصرار على الاستمرار في حرب بدا لهم أنها لم تنتهِ بعد.

نعم، هناك من يذهب بهم الظن بعيداً إلى حد الزعم أن قرار الزعيم عبد الناصر يومذاك، هو نوع من التمثيل على مسرح هزيمة نكراء، لكن هكذا ادعاء لم يستند إلى أي دليل على الإطلاق. البعض ادعى أن شاحنات عسكرية، وعربات نقل تابعة لجسم داخل الاتحاد الاشتراكي، كان يحمل اسم «التنظيم الطليعي»، انطلقت فور انتهاء خطاب الاستقالة، تجمع الناس من الشوارع وتحشرهم داخلها، ثم تنطلق بهم إلى ساحة قصر القبة الرئاسي، للمشاركة في مسيرات يومي التاسع والعاشر من ذلك الشهر. آنذاك، كنتُ طالباً في جامعة القاهرة، وبالتالي أحد الذين شهدوا وقائع الأحداث وعايشوها، وشاركوا فيها. لم يجبرني أحد، ولا أي من الطلاب والطالبات، على مغادرة مقر المدينة الجامعية حيث كنا نقيم، والمشاركة في مظاهرات رفض استقالة جمال عبد الناصر، ثم تُرى من أجبر مئات آلاف المشاركين العرب في مظاهرات مماثلة، شهدتها مختلف مدن وقرى العالم العربي؟

يمكن إيراد أسئلة أكثر، ومزيد من أوجه المقارنة، إنما الأهم ربما يكمن في الدروس المُستفادة من حالتي الاستقالتين. ولعل الدرس الأول هو أن شخصية «البطل» في الحالتين أقدمت على أفعال أدت إلى انتكاسة أضرت به، وبالمؤيدين له، والأخطر ببلده ككل، فأوجبت بالضرورة أن يُقدم على الاستقالة. الاثنين الماضي، صدرت «الغارديان» اللندنية بعنوان رئيسي يقول إن كبار زعماء «المحافظين» طلبوا من بوريس جونسون التوقف عن الإدلاء بتصريحات، وأن «يصمت... ويذهب بعيداً». هل كان ممكناً للمصريين والعرب أن يطالبوا جمال عبد الناصر بالشيء ذاته؟ سؤال واقعي، ومهم، وصعب، لكن الإجابة تتطلب مساحة أكبر، ومقالاً أكثر عمقاً.

 

omantoday

GMT 19:41 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

مجالس المستقبل (1)

GMT 19:20 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

البحث عن مقبرة المهندس إيمحوتب

GMT 15:41 2024 الأحد ,14 تموز / يوليو

موسم انتخابى كثيف!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اعتزال جونسون وتنحي جمال اعتزال جونسون وتنحي جمال



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 19:13 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 عمان اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 18:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 عمان اليوم - مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 09:01 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 أكتوبر / تشرين الأول لبرج الاسد

GMT 21:16 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab