الأدب والمجتمع والاقتصاد 1  6

الأدب والمجتمع والاقتصاد (1 - 6)

الأدب والمجتمع والاقتصاد (1 - 6)

 عمان اليوم -

الأدب والمجتمع والاقتصاد 1  6

عمار علي حسن

لا يولد النص الأدبى فى فراغ، وإنما هو، ومهما حلّق فى آفاق التجريد والخيال والتخييل والبلاغة، امتداد للواقع الذى يعيشه الأديب، أو محاولة للتمرُّد عليه وخلق «عالم موازٍ»، ولذا فإن الأدب يتأثر بطبيعة القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، التى تُطرح وقت إنتاجه.

ومع هذا يجب ألا ننكر أن اقتحام السياسة الفج للأدب قد أسهم فى توجّه بعض النقاد إلى شرح النص من داخله، دون الالتفات إلى السياق الاجتماعى السياسى له. فبعض الاتجاهات الواقعية، انتهكت النص الأدبى لحساب أيديولوجيات معينة، مما حوله أحياناً إلى منشور سياسى، فى حين حوّلت المدرسة «السيكولوجية» إنتاج الأدباء إلى شهادات طبية، تدل على حالة الأديب النفسية من الطفولة إلى الكهولة، وتؤرّخ لحياته الخاصة، مع أن الأدباء، بمن فيهم أولئك الغارقون فى الواقعية، لا ينكرون أن ما تجود به قرائحهم، ليس مجرد مرآة تعكس الحياة البشرية فقط، بل هم يضيفون إلى الواقع من خيالهم الخصب ما يحفظ للأدب جماله وتفرُّده، ويجعل بعض جوانبه تمثل عالماً موازياً للعالم الذى نعيشه.

وقد تطرّف بعض الواقعيين، بدعوى الالتزام، أو الإخلاص لأيديولوجية سياسية معينة، ولم يفرّقوا بين الفن ونقل المعلومات، أو إسداء النصائح، وعندما حوّلوا رواياتهم إلى علم اجتماع أو دعوة أخلاقية، وخلطوا بين الرواية والتقرير، أنتجوا فناً بليداً، وعرضوا بضاعة فاسدة. فهم نادوا بأن يكون الأدب ملتزماً بخدمة أهداف سياسية، مع أن الالتزام، فى نظر البعض، من اختصاص المقال، وليس الأثر الأدبى.

وهنا يقول زكى نجيب محمود فى كتابه «فسلفة النقد»: «مع هذا، فالعلاقة بين الكاتب وعصره، ظاهرة لا تخطئها النظرة السريعة، فآثار الأدب والفكر فى عصور التاريخ كفيلة بأن تمدنا بأى عدد شئنا من الأمثلة، التى تؤكد الرابطة الوثيقة بين تلك الآثار، وروح العصر الذى كتبت فيه. ولم يكن هذا عن عمد من أصحابها، فعناصر الحياة قائمة حول الكاتب، وهو حر فى أن يتناولها على أى وجه يختار. وهذه العناصر منها الخاص، الذى يتعلق بحياة الأديب الشخصية، ومنها ما يمثل هموماً عامة تمس قطاعات عريضة من البشر، ويتفاعل معها الأديب سلباً أو إيجاباً، وينتج تفاعله هذا نصوصاً أدبية مختلفة».

والعامل الأساسى الذى يُخلد عملاً أدبياً دون غيره، هو مدى تعبيره عن أحداث العصر الذى تم تأليفه فيه. وبقدر مشاركة الأديب فى تلك الأحداث، تتحدد درجة عمق إنتاجه، ومن ثمّ، درجة بقائه، ومقدار ذيوعه. ولا شك أن الأحداث تختلف من زمان إلى زمان، ومن مكان إلى آخر. ولذا، وعلى حد قول مدام دو ستال، فإن «لكل مجتمع الأدب الذى يستحق».

وإذا كان من الصعب علينا أن نفهم الأدب المكتوب فى أوروبا خلال فترة الحربين العالميتين إلا برده إلى جو الحرب، وما تركته من دمار وفزع، فإنه من العسير، كذلك، أن نفهم الأدب العربى الحديث، خاصة الرواية، دون ربطه بالقضايا التى فرضت نفسها على الواقع المعيش. ورغم اختلاف بعض أوجه الظروف الحياتية من قطر عربى إلى آخر، فإن هناك قضيتين داخليتين انعكستا على أغلب إنتاج الأدباء العرب من المحيط إلى الخليج، وهما القهر السياسى والظلم الاجتماعى، حيث لا يكاد أن يخلو أى قطر عربى من هاتين المشكلتين المحوريتين. ويسهم الأدباء، مع غيرهم، من بعض المثقفين، التحديثيين والتقليديين، على حدٍّ سواء، فى الثورة على أنماط الحياة العربية السلبية، بما فيها من مظاهر التفكك والتبعية والاغتراب، وبما تحمله من مشكلات اجتماعية، تتطلب مواجهتها، مثل الفقر والجهل والمرض والفساد والفوضى الإدارية وتدنى الإنتاج.. إلخ.

(ونكمل غداً إن شاء الله تعالى)

omantoday

GMT 21:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر

GMT 21:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتلة صورة النصر

GMT 21:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 21:53 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الهُويَّة الوطنية اللبنانية

GMT 21:52 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

عقيدة ترمب: من التجريب إلى اللامتوقع

GMT 21:51 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

صعوبات تواجه مؤتمر «كوب 29» لمكافحة التغير المناخي

GMT 21:50 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

بين الديمقراطيين والجمهوريين

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأدب والمجتمع والاقتصاد 1  6 الأدب والمجتمع والاقتصاد 1  6



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab