«الخروج إلى النهار» 2 2

«الخروج إلى النهار» (2- 2)

«الخروج إلى النهار» (2- 2)

 عمان اليوم -

«الخروج إلى النهار» 2 2

عمار علي حسن

.. وتنقل رواية « الخروج إلى النهار » للأديبة نجلاء علام تعاسة الإنسان فجأة من الجريمة الأولى فى تاريخ الإنسانية إلى زمن «الآلة» و«الأتمتة» لكل شىء، حيث التوحش والتفاوت الطبقى الرهيب، والاغتراب القاسى، وهنا تقول الرواية على لسان بطلها: «لقد حرَّموا علينا المشاعر والعلاقات الجسدية وغيرها من الأمور التى تنحو فى النهاية إلى عدم الموضوعية فى الحكم على الأشياء والبشر، وها هم فى النهاية يحكمون علينا بنفس الأشياء التى حرموها».

وتجسد الكاتبة هذه الرؤية الفلسفية فى رجل وامرأة انحبسا تحت الأنقاض إثر انهيار أرضى، يلفهما ظلام دامس، ويجلسان القرفصاء، ويبقيان على قيد الحياة بفعل قدر من الطعام والشراب يلقى إليهما من حين إلى آخر. إنها صورة للسجن الدائم الذى أصبح الإنسان يعيش فيه بعد أن تشيأ كل شىء وغابت الحرية وسط القهر والجوع والصراع الضارى على حيازة الثروة والقوة والمكانة والجاه.

ولا تقف الرواية، وهى الثانية لكاتبتها إلى جانب مجموعتين قصصتين وأربعة كتب للأطفال، عند هذا الحد، بل تقفز إلى المستقبل، حيث سيفقد الإنسان تماماً الأشياء التى كانت تمنحه المتعة والاختيار، وسيصبح البشر مجرد أرقام، كالسجناء، ليس لهم أسماء، وسيتحدثون لغة قاصرة سمتها «الفصّلا» فى مجتمع سمته «الهونا»، وسيصير كل ما نعرفه الآن مجرد تراث قديم مهمل، وهنا يتساءل البطل: «لماذا يخبئون الكتب؟» فيأتيه الرد: «حتى لا نصاب بالتشويش، فهى تحتوى شيئاً مختلفاً عما حُفظ داخل الشريحة المعلوماتية الموضوعة فى مخ كل واحد منا».

ولم تترك الكاتبة بطل روايتها وبطلتها فى هذا السجن الغريب، بل تحررهما، عبر الخيال والثورة. ففى الخيال، يحلم البطل بالطيران، وحين يقال له إنه بلا أجنحة، يرد على محدثه: «سينبتان، أطلق لخيالك العنان، طهر قلبك، اسمُ بروحك، ارتفع.. ارتفع»، ويعول فى هذا على الإرادة: «الطيران ليس جناحين وكفى، بل إنه تدريب للنفس ومحاولة اكتشافها، وكلما وجدت داخلك شيئاً جديداً جميلاً، علوت وسموت، وربما ننصبك فى النهاية ملكاً للطيور».

أما الثورة فتنقلنا الرواية فجأة إلى تونس ومنها إلى مصر، وتستعرض مشاهد متناثرة من الاحتجاجات التى شهدها البلدان، وتجعل من بطليها جزءاً من هذا الحدث، حيث يختلطان بالثوار، ويتحرران من كل القيود، بل إنها تجعل فى التمرد حلاً لمشكلة الإنسان المسجون منذ بدء الخليقة، من خلال إطلاق اسمى أبى البشر وأمهم على شابين من الثوار: «كنا نرغب فى ميلاد جديد، وقد جاء.. لففنا آدم وحواء بقماش أبيض يكسوه العلم، صعدنا تحت إلحاح الجموع إلى أعلى منصة فى الميدان، قالوا إنهما التجسيد الحى للانتصار، ويجب أن تراهما الأرض كلها، وعندما وصلنا رفعناهما وسط هدير البشر، وانطلقت الاحتفالات». لكن الكاتبة لم تشأ أن تترك مصير الإنسان لهذا الفرح النهائى، الذى ناله بالتمرد على المألوف عبر الخيال والاحتجاج، فالأحزان والخوف لا يمكنهما الذهاب بعيداً، ولهذا تنهى روايتها بتلك الجملة التى تعقب مشهد رفع الشاب والفتاة وسط الثوار: «ولكن كان هناك غراب أسطورى يحلق فى السماء».

ولم يمنح زمن الرواية الطويل وعمقها الفكرى كاتبتها فرصة لتوسيع نطاق ما كتبت على مستوى السرد والحوار والبناء، باعتبار الرواية فناً يحتفى بالتفاصيل، وهذه إحدى الخصائص التى تميزه عن فن القصة القصيرة، إلا أنها أظهرت فى المقابل قدرة كبيرة على التكثيف الذى جعل الرواية لا تخلو من تعقيد وغموض، وسط احتفاء بالمراوحة بين القصة والرواية، والنثر والشعر.

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الخروج إلى النهار» 2 2 «الخروج إلى النهار» 2 2



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 19:13 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 عمان اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 18:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 عمان اليوم - مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab