المؤسسة الدينية وحرية التعبير

المؤسسة الدينية وحرية التعبير

المؤسسة الدينية وحرية التعبير

 عمان اليوم -

المؤسسة الدينية وحرية التعبير

عمار علي حسن

تتراوح المؤسسة الدينية الإسلامية فى مصر بين صوفية انكفائية تنزلق فى تصوراتها من الإيمان بالغيب كما حدده القرآن الكريم إلى خرافة ممتزجة بالفلكلور، وبين سلفية تريد أن تشد الحاضر إلى الماضى فلا يستطيع منه فكاكاً، وراديكالية تخرج بعض جماعاتها وتنظيماتها على المجتمع، إما لوصمه بالكفر أو على الأقل بالجهل، وتسقط فى تفسير حرفى للنص، ولذا تنحدر إلى ممارسة القسر بشتى أشكاله. ووسط هؤلاء جميعاً نجد جماعات صغيرة وأفراداً قلائل يدّعون أنهم يطرحون خطاباً توفيقياً، فإذا بهم لا ينتجون غير تلفيق مقنّع، والكل يوصدون الباب، بقصد أو من دون نية مبيتة، أمام تيار ضئيل مرهق يحاول أن يفتح نوافذ الإسلام على العصر، ويحفظ لهذا الدين العظيم دوره الحضارى وفاعليته الاجتماعية والنفسية، من خلال التأكيد على احترام الإسلام للعقل إيماناً بأن «التفكير فريضة إسلامية»، وتقديراً لإنسانية الإنسان بوصفه «خليفة الله فى الأرض»، وعدم الافتئات على الإبداع البشرى والتراكم المعرفى باعتبار أننا «أعلم بشئون دنيانا»، وأن العقل هبة الله للإنسان، التى يجب أن يعملها فى كل ما يمكن للتفكير أن يسبر أغواره، ويصل فيه إلى رأى قاطع أو ترجيح ينطوى على أدلة وبراهين منطقية.

وهذا السياق القابض المقبض على المؤسسات الدينية يجعلها تشكل فى أحيان كثيرة عائقاً أمام حرية التعبير التى باتت مطلباً عزيز المنال لدى من يرون فى الحرية، كإحدى القيم الأساسية للديمقراطية، طريقاً للخروج من النفق المظلم الذى تعيشه مجتمعاتنا. ومن ثم تنتهج هذه المؤسسات رغم تنوعها بين الرسمى، مثل الأزهر والكنيسة والأوقاف والطرق الصوفية والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية والأجنحة الدينية فى الأحزاب السياسية القريبة من السلطة، وغير الرسمى مثل الجماعات الإسلامية على اختلاف توجهاتها ومقاصدها سلوكاً متشابهاً حيال حرية التعبير، من خلال إجراءات مسبقة ومتزامنة ولاحقة على الجدل الفكرى والعلمى فى المجتمع. فمسبقاً تضع هذه المؤسسات إطارها الحاكم لأى منتج فكرى، فما وافقه يصبح حلالاً وما خالفه يبقى حراماً، وتحاول أن تصبغ على هذا الإطار طابعاً مقدساً، رغم أنه قائم فى الأساس على تفسير بشرى للنص الإلهى المتمثل فى القرآن الكريم. ومتزامناً تدخل هذه المؤسسات فى جدل فكرى مستمر مع ما تطرحه النخب المحدثة، سواء كانت علمانية أم دينية مستنيرة، حول قضايا الواقع وتصورات المستقبل. ولاحقاً تصارع هذه المؤسسات وتلاحق أى منتجات فكرية ترى فيها ما يخالف ما هو «معلوم من الدين بالضرورة» حسبما هو محدد سلفاً فى ثنايا الفقه، أو ما يخالف «نصاً صريحاً» طبقاً لتأويل هذه المؤسسات له، أو إن كان هو كذلك بالفعل، ويتم التوسع فى هذه الناحية إلى درجة مخيفة، تجعل أشياء كثيرة «معلومة من الدين بالضرورة»، ويزيد الطين بلة التوسع فيما هو من «الاعتقاد» أو «العقيدة» ليضم أشياء تفصيلية، يهندسها علماء الدين ورجاله كيفما شاءوا، خارجين على الحدود والقيود التى يفرضها النص، ويزداد الأمر سوءاً مع الخلط الواضح الفاضح بين الإسلام وتاريخ المسلمين، بحيث يحل الثانى محل الأول.

تنويه

كتبت مقالاً فى «الوطن» يوم 11/10/2015 بعنوان «الرواية الطويلة» سقطت منه الإشارة إلى أن مضمونه كان رداً على سؤال للأديبة والكاتبة الصحفية الأستاذة زينب عفيفى، التى تشرف على باب أدبى بديع بصحيفة «أخبار اليوم» العريقة. وقد قابلتنى قبل يومين ونبّهتنى إلى أن المقال نُشر دون إشارة إلى اسمها، فكان لا بد أن أرد الفضل إلى أهله، لاسيما أنها أعدت تحقيقاً صحفياً عميقاً حول الموضوع ذاته، نشرته فى أواخر أكتوبر الماضى.

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المؤسسة الدينية وحرية التعبير المؤسسة الدينية وحرية التعبير



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 19:13 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 عمان اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 18:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 عمان اليوم - مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab