المتطرفون و«الوطن البديل» 12

المتطرفون و«الوطن البديل» (1-2)

المتطرفون و«الوطن البديل» (1-2)

 عمان اليوم -

المتطرفون و«الوطن البديل» 12

عمار علي حسن

لا تختلف الحركات والتنظيمات والجماعات الدينية صاحبة المشروع السياسى، سواء كانت تسعى إليه سلمياً مؤقتاً أو بالعنف والإرهاب، فى إيمانها بفكرة «الوطن البديل» الذى يَجُبُ لديها «الدولة الوطنية» بمفهومها العصرى، ويأخذها إلى اتساع وهمى، نحو صيغة «إمبراطورية»، مثلما كان قائماً فى القرون الوسطى، أو يضيقها إلى حد الإقليم أو المنطقة المقتطعة من دولة ما، والتى يمكن لهذا التنظيم أن يقيم عليها إمارته، ويطبق بين سكانها رؤيته، ويتخذه نواة فيما بعد لـ«الجهاد» ضد الآخرين لتوسيعها حتى يصل إلى الشكل القديم المبتغى، وهو «الخلافة» التى لا يعتقد المتطرفون أنها شكل سياسى وإدارى يناسب مرحلة تاريخية معينة ثم مضى، بل يريدون استعادته كما هو، دون نقصان، وإن زاد فلا ضير ولا بأس، وهذا يصل لديهم إلى حد المعتقد أو الفريضة.

ومنذ البداية، آمنت هذه التنظيمات بفكرة «الوطن البديل» تلك، وإن اختلفت فى طرق التعبير عنها، وأساليب الوصول إليها، والتدرج الواجب فى سبيل بلوغها. وقد تطورت وتدرجت الفكرة، أو تجلت وأعيد إنتاجها فى صيغ متعددة على النحو التالى:

1- الهجرة: وتعنى ترك المجتمع وبناء نواة اجتماعية مختلفة، بدعوى أنه «مجتمع جاهلى»، تحكمه سلطة كفرية وقوانين وضعية، ولذا لا يجب على أتباع الجماعة، الذين يتوهمون أنهم العصبة المؤمنة، وغيرهم ليسوا كذلك، أن يمكثوا فيه، ويعايشوا أهله، إنما وجب عليهم أن يرحلوا عنه، ليقيموا هم مجتمعهم الخاص الذى يتماشى مع الأفكار التى يعتقدون فيها.

والمثل الصارخ على هذا هو ما سمت نفسها «جماعة المؤمنين»، وسماها الناس «التكفير والهجرة» التى ظهرت فى مصر خلال سبعينات القرن العشرين، حيث تمكن مؤسسها شكرى مصطفى من إقناع أصحابه بالنزوح إلى حى طرفى فى القاهرة وهو عزبة النخل، الذى كان أيامها بعيداً وجديداً، كى يقيموا دولتهم، وظلوا هناك إلى أن اكتشف أمرهم وقبض عليهم بعد اختطافهم وقتلهم وزير الأوقاف الشيخ الذهبى، وانتهى التنظيم.

2 - العزلة الشعورية: ويطرحها سيد قطب فى صيغة تحمل الكثير من التناقض وعدم العلمية كسائر ما طرح، فيقول: «حين نعتزل الناس، لأننا نحس بأننا أطهر منهم روحاً، أو أطيب منهم قلباً، أو أرحب منهم نفساً، أو أذكى منهم عقلاً، لا نكون قد صنعنا شيئاً كبيراً، لقد اخترنا لأنفسنا أيسر السبل، وأقلها مؤونة! إن العظمة الحقيقية: أن نخالط هؤلاء الناس، مُشْبَعين بروح السماحة، والعطف على ضعفهم ونقصهم وخطئهم، وروح الرغبة الحقيقية فى تطهيرهم وتثقيفهم، ورفعهم إلى مستوانا بقدر ما نستطيع! إنه ليس معنى هذا أن نتخلى عن آفاقنا العليا، ومثلنا السامية، أو أن نتملق هؤلاء الناس، ونثنى على رذائلهم، أو أن نشعرهم بأننا أعلى منهم أفقاً. إن التوفيق بين هذه المتناقضات، وسعة الصدر لما يتطلبه هذا التوفيق من جهد: هو العظمة الحقيقية».

ومع هذا أخذ ذلك المعنى المتناقض تصوراً أشد صرامة فى التطبيق، أو تم الالتزام بأوله من دون آخره، تحت وهم اصطفاء المؤمنين به واختلافهم عن الناس من حيث القرب من الدين أو الامتثال لتعاليمه، وبالتالى عاش أنصار الجماعات والتنظيمات الدينية المسيسة فى دولة متوهمة، أو «وطن بديل افتراضى» يخالطون الناس بأجسادهم، لكن أمانيهم وأهدافهم وأنفسهم تسكن مكاناً آخر، يؤمنون هم به، ويعتقدون أن الآخرين غير قادرين على بلوغه.

3- الاقتطاع: أى نزع جزء من جسد دولة أو من مدينة من المدن، لإقامة «وطن بديل»، أو «مجتمع بديل» عليها، يتم فيه تطبيق أفكار الجماعة المتطرفة، بعد أن تمتلك وسائل للسيطرة والتحكم داخل المجتمع، إما بإقناع عدد كبير من سكانه بالفكرة المتشددة، وتوظيفهم فى السيطرة على الباقين، أو باستغلال التهميش الاجتماعى وغياب سلطة الدولة على حى أو إقليم وملء هذا الفراغ، والسيطرة بالقوة القاهرة على السكان، وإخضاعهم لتصورات الجماعة أو التنظيم، وهناك أمثلة كثيرة فى هذا الشأن، منها ما يخص اقتطاع إقليم من الدولة، مثلما جرى فى مالى والصومال والعراق، ومنها ما يخص السيطرة على حى من أحياء مدينة كبرى، حسبما جرى فى القاهرة فى أوائل تسعينات القرن الماضى حين قامت الجماعة الإسلامية بالسيطرة على حى إمبابة، وأعلنت أنه بات «دولة داخل الدولة» مما دفع السلطة إلى حشد عشرين ألف جندى من قوات الداخلية، لإزالة هذه الدولة المزعومة.

(ونكمل غداً إن شاء الله تعالى)

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المتطرفون و«الوطن البديل» 12 المتطرفون و«الوطن البديل» 12



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 19:30 2020 الخميس ,28 أيار / مايو

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 09:44 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعه 30 أكتوبر / تشرين الأول لبرج الجدي

GMT 23:57 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab