فى النظر إلى «الغد»

فى النظر إلى «الغد»

فى النظر إلى «الغد»

 عمان اليوم -

فى النظر إلى «الغد»

عمار علي حسن

بات حاضر العرب صعباً إلى أقصى وأقسى حد، ولذا من الضرورى أن يشرع الكتاب والمفكرون والخبراء والباحثون فى البحث عن إطار نظرى متماسك حول الغد، وأقول «إطاراً» لأتفادى مزالق الأيديولوجيا وأخطاءها، وفى الوقت ذاته نخرج أنفسنا من الغرق فى التفاصيل التى تصنعها أحداث يومية مفعمة بالإرهاب الداعشى والإخوانى والسلفى الجهادى.. إلخ؟

ومع هذا فإذا كان فناء الأيديولوجيا أو انقضاء مفعولها أمراً غير واقعى، وكانت الحاجة إليها «ضرورة»، فإن من الطبيعى أن نبحث عنها، ونتمسك بها. لكن علينا أن نعرف جيداً ما إذا كان ما نحن قابضون عليه ليس فيه ما يضرنا ويشدنا إلى الوراء. فالأيديولوجيات طالما مارست عنفاً رمزياً، وأدت إلى وقوع قهر مادى، وكثيراً ما بررت أخطاء الأنظمة الحاكمة، ولعبت دوراً فى تزييف الحقائق، وتخريب الوعى، وكانت بمثابة «دوجمائية» جامدة، وسجال خطابى، وطرح أسطورى، لا يُصلح حالاً، ولا ينهض بواقع، واستبعدت رؤى «الآخر» لتحجر على التفاعل الفكرى والاجتماعى الطبيعى الذى يرقى بالأوضاع.

ومن ثم فإن التسليم التام للأيديولوجيا، وقبول وجودها بوجه عام، لا يجب أن يعمينا عن أخطائها الكبيرة، ومشكلاتها بالغة التعقيد، وتجاربها المريرة. ولا يمكن التفكير فى بناء «أيديولوجيا جديدة» أو إعادة النظر فى قناعاتنا الفكرية من أجل صياغة رؤية أنجع بالقفز على الحقائق المرتبطة بممارسات الأنظمة التى قامت على أساس أيديولوجى صارم، أو دون الاستفادة من من التراكم التاريخى للتجارب الإنسانية مع مختلف الأيديولوجيات.

لقد حدت قراءة الأخطاء التى ترتبت على التطبيق الحرفى المنغلق للأيديولوجيا بالعديد من المفكرين فى شتى أنحاء العالم إلى تقريظ «نهاية الأيديولوجيا». وفى عالمنا العربى نجد مفكراً مثل محمد عزيز الحبابى ينادى فى كتابه الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية «عالم الغد.. العالم الثالث يتهم: مدخل إلى الغدية» بالبحث عن عالم أفضل، «يتحقق بتعاون الجميع ومن أجل الجميع أو لا يتحقق إطلاقاً»، لا يرتبط بإطار فكرى محدد وثابت، وذلك من خلال رؤية فلسفية أطلق عليها اسم «الغدية» التى هى فى نظره «فلسفة جديدة تستسيغ مكتسبات الفكر المعاصر وتتفتح على المستقبل.. لا تخضع لأى نسق مسبق.. وتعتمد على الشك المنهجى الذى يجعلنا نضرب بالوثوقية عرض الحائط سواء كانت فى العلوم الإنسانية أم الطبيعية».

وهذه الرؤية إن كانت تريد صياغة الواقع على أسس فكرية جديدة، فإنها، فى الوقت ذاته، لا ترضى بوجود «مسبقات» أو «ثوابت»، وهى مسألة تبدو غير واقعية وليست مفيدة، فإنسان بلا ثوابت، حتى لو كانت من صنع ذاته أو من واقع تجربته الضيقة، هو إنسان لم يولد بعد. فالأفضل يبدو هو تحديد مبادئ جوهرية وقيم عامة، متسعة الرؤية ومرنة للغاية فيما يرتبط بالأساليب التى يمكن اتباعها من أجل تحقيق الأهداف التى يصبو إليها المجتمع.

ويأتى عالم الفلسفة السياسية «فيليب برو» ليضع رؤية تقوم فى بعض جوانبها على «أيديولوجيا مرنة» تبدو أكثر واقعية من طرح الحبابى الذى يجافى الوثوقية حتى فى العلوم الطبيعية، فالأول يريد للصلب من الأيديولوجيا أن يلين، وأن يوجد قاسم أيديولوجى مشترك، «حتى وإن ترك عند الحدود للأيديولوجيات المنشقة أو المتطرفة فرصة التعبير عن نفسها من أجل الحفاظ على مظاهر التعددية».

أما الثانى فلا يروق له وجود إطار فكرى متكامل للحياة من الأساس، إذ يقول: «إن انقطاع الفلسفة عن التأمل النظرى المحض، واكتفاءها بنظرة مجزأة عن الأحداث والأشياء سيجعلها تطأ الأرض، وتتعلم من جديد المشى على الأرجل، حينذاك ستفتح عيناها جيداً على مجموع واقع الإنسان الكل، ولن تهمل العلوم الجديدة ولا الحياة الروحيـة فى علاقاتها مع الحكمـة والتقدم».

ويقدم المغربى سالم يفوت قراءة تبدو مختلفة للغدية، إذ يرى فى بحث بعنوان «الهاجس الثالثى فى فلسفة محمد عزيز الحبابى»، صدر ضمن ما ألفته مجموعة من الباحثين فى كتاب «الفلسفة فى الوطن العربى المعاصر» أنها «فلسفة تستوعب مكتسبات التفكير الحديث كما تنفتح على المستقبل دون أن تنكر الهوية الوطنية، أى فلسفة توجه المستقبل فى دروب أخرى غير تلك التى سلكتها الحضارة الغربية حتى اليوم». وهذا قد يعنى أن الحبابى لم يستطع أن يتجاوز وجود خصوصيات لدى الشعوب والحضارات، لا يمكن إهمالها أو القفز عليها، حين نعكف على بناء مشروع فكرى، أو فلسفة، تدير حياتنا بشكل أفضل مما هى عليه فى الوقت الراهن.

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فى النظر إلى «الغد» فى النظر إلى «الغد»



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 19:30 2020 الخميس ,28 أيار / مايو

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 09:44 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعه 30 أكتوبر / تشرين الأول لبرج الجدي

GMT 23:57 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab