«صمت الكهنة» 12

«صمت الكهنة» (1-2)

«صمت الكهنة» (1-2)

 عمان اليوم -

«صمت الكهنة» 12

عمار علي حسن

فى أول مسيرته الإبداعية فكر نجيب محفوظ أن يكتب تاريخ مصر متوسلاً بفن الرواية، وأنتج على هذا الدرب روايات «عبث الأقدار» و«رادوبيس» و«كفاح طيبة» التى تدور فى مصر القديمة، لكنه لم يلبث أن أحجم عن المضىّ قدماً، ونزل إلى أرض الواقع ليبنى مشروعه الأدبى العملاق، وإن كان قد عاد فى ثمانينات القرن العشرين إلى عهد الفراعنة ليكتب روايته «العائش فى الحقيقة» عن حركة إخناتون التى لا يزال صداها يتردد إلى الآن حين يتيه المصريون المعاصرون بأن أجدادهم القدامى نادوا بالتوحيد.

وظل زمن الفراعنة الطويل يلهم أدباء مصر المحدثين والمعاصرين تارة بطريقة مباشرة، وطوراً باستدعاء موروثه الحضارى ورمزيته وطبقاته الثقافية، حيث الحكم والأمثال والأساطير التى لا تكف عن التجدد والتناسل بلا هوادة. وفى ركاب هذا التصور أنتج الكاتب صبحى موسى روايته «صمت الكهنة»، وإن كان قد سلك فيها طريقاً مختلفة ربط فيها الآنى بالذى وقع فى الزمن السحيق، من خلال بطله الذى طاردته «لعنة الفراعنة» فتماثلت حكايته مع حبيبته «مديحة» التى أغوته، مع حكاية «حور محب» مع معشوقته «آن»، ليمارس كهنة المعبد المقدس، بطقوسهم ورموزهم وطلاسمهم ومآربهم، دوراً على حياة بطل الزمن المعاصر، مثلما فعلوا ذلك فى الزمن الأول، وهو ما يعبّر عنه هذا البطل من خلال عبارة وردت فى الفصل قبل الأخير فى الرواية تقول: «تكررت زيارتى إلى المعبد بصحبة أصدقائى الكهنة، لكننى لا أعرف أكان هذا بالجسد أم بالروح، فعادة ما كانوا يجيئون إلى غرفتى بعد وفاة أمى، وعادة ما كنت أذهب إليهم فيحدثوننى عن تاريخ المعبد وساكنيه، وما كنت أفكر فى مكان حتى أجدنى هناك، أتأمل ما عليه من رسوم، وما يعلوه من تراتيل. فقط كان علىّ أن أفك أزرار قميصى، وأكشف عن ريشتى، حينها أكون حيثما أفكر، ويكونون معى حيثما أحتاجهم».

والبطل كان «طفلاً عنيداً تملأه الهلاوس، طفل يعيش فى عالم غير الذى يعيش فيه الآخرون»، فصار طالباً جامعياً طيباً وبريئاً، يعيش فى «أشمون» التى كانت إحدى الحواضر الفرعونية العريقة، ويدرس الآثار، ومولع برسم صور الفراعين، قادته أقداره إلى أن يتمكن فى طفولته الغضة من أن يزيح حجراً ضخماً عجز عن رفعه الرجال الأشداء، ليجد نفسه هابطاً إلى سرداب مظلم طويل أدى به إلى أن يجد نفسه بين كهنة المعبد القديم، فيصاب بداء غامض، يدخل على أثره المستشفى، ويشخصه الأطباء بأنه مرض نفسى عضال ويعالجونه على هذا الأساس، لكنه وحده الذى يعرف أن ما به هو بفعل غضب الكهنة لأنه أفشى لأهله السر الذى ائتمنوه عليه، وحذروه من أن يبوح به لأحد. وبينما يحتار الأطباء فى تحديد العلاج الناجع، يعرف المريض ما الذى أصابه؟ ويوقن بأن شفاءه ليس له سوى طريق واحدة وهى الكتابة والرسم، وهذه مسألة يعلن عنها الكاتب منذ البداية، حيث يقول فى أول عبارة بروايته: «القلم يرتعش فى يدى وأشعر أننى لم أقبض عليه منذ زمن بعيد، هذا صحيح، فليست لى علاقة به، لكن الفرق بينه وبين الريشة ليس كبيراً إلى هذا الحد، فكلاهما يستطيع بين جدران غرفة مغلقة أن يعيد تشكيل العالم.. الفرق الوحيد أن المداد مختلف».

(ونكمل غداً إن شاء الله تعالى).

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«صمت الكهنة» 12 «صمت الكهنة» 12



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 19:13 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 عمان اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 18:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 عمان اليوم - مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab