«فيس بوك» و«ناس بوك»

«فيس بوك» و«ناس بوك»

«فيس بوك» و«ناس بوك»

 عمان اليوم -

«فيس بوك» و«ناس بوك»

عمار علي حسن

فى مداخلة لى مع إحدى الفضائيات فى اليوم الرابع لثورة يناير المصرية، والذى عُرف باسم «جمعة الغضب» قلت: «الآن انتقلت الثورة من فيس بوس إلى ناس بوك»، حين وجدت نفسى بين متظاهرين يمثلون كل الشرائح الاجتماعية ومقبلين من كل الأحياء السكنية، والخلفيات الثقافية والمعرفية.

والتحول الكبير فى مسار الثورة لم يحدث إلا بنزول الناس إلى الشارع بالملايين، وهذه قاعدة يجب ألا تنساها أو تتناساها «الطليعة الثورية» لأن أى حركة مقاومة تفقد تعاطف المجتمع الذى يحيط بها من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، نجاحها. فلا يغنى «العالم الافتراضى» عن «عالم الواقع» رغم ما ندين به من فضل لثورة الاتصالات الحديثة فى إطلاق الثورة.

ومع هذا فمن حق الــ«فيس بوك» أن يتيه علينا بدوره لأنه فعل أمرين إيجابيين فى وقت واحد، الأول تكوين شبكة اجتماعية مفترضة بسرعة قصوى، والثانى هو مراكمة الرؤى والأفكار حول الهدف المقصود. وهذه الشبكة عوضت مرحلياً تلك التى عجزنا عن إنشائها فى الواقع المعيش نتيجة اليد الأمنية الباطشة التى فككت أى روابط وارتباطات وتجمعات وعمدت إلى أن نحيا فرادى، لا يرى أحدنا الآخر، وينغمس كل منا فى غبنه وعوزه وذله الذاتى المصنوع فى أغلبه من قصور ذات اليد، وتوهم أن الجبن هو أقصر الطرق إلى السلامة.

أما التداول على «فيس بوك» فجعلنا نتجنب عيباً شديداً يصم مناقشاتنا، وهو «التفكير الدائرى»، حيث ننتهى من حيث نبدأ ونقع فى شراك البلاغة والخطابة واستعراض مهارات التحليل، دون أن نتقدم مباشرة صوب الهدف المنشود. وفقدنا بالتالى «التفكير المستقيم» الذى يدفعنا إلى الأمام، والذى عرفناه فى لحظات استثنائية من تاريخنا، مثل أيام حرب أكتوبر 1973، أو أثناء المناقشات الحامية داخل التنظيمات السرية فى الأوقات العصيبة. وجاءت هذه الشبكة الإلكترونية لتمكن مئات الآلاف من أن يراكموا المعلومة على مثيلتها، والفكرة على نظيرتها.

فها هو أحدهم يقترح أن يتم الاعتراض على أسلوب وزارة الداخلية بعد مقتل خالد سعيد وسيد بلال، علاوة على حالات التعذيب والقسر والقهر والإذلال التى تطال المصريين من سوء معاملة أغلب ضباط الشرطة، فيحدد الثانى يوم عيد الشرطة موعداً للاحتجاج. ثم حدث تداول حول المكان والأسلوب والشعارات والهتافات وطريقة التعامل مع أجهزة الأمن. كان كل واحد يكتب رأيه، فيأتى الآخر ويضيف إليه أو ينقحه أو يدحضه ويضع أفضل منه، كل هذا يتم من خلف أجهزة الحاسوب التى يعرف بعضها بعضاً جيداً، بينما يجهل مستخدموها مع من يتناقشون ويتداولون ويتبادلون الرأى والمشورة أو المكيدة.

وهكذا الحرف على الحرف حتى ارتفع الأمر من مجرد «مظاهرة» إلى «ثورة» لا سيما بعد هروب الرئيس التونسى. وجاءت الضربة للنظام من حيث لا يحتسب. أبناء الطبقة الوسطى بشرائحها الثلاث مسلحين بوسائط الاتصال الحديثة التى تخترق كل الحدود والسدود والقيود، تمكنوا بأسرع مما يتصور أحد أن يجمعوا الناس من الشوارع الخلفية المنسية، ويدفعوهم إلى قلب العاصمة.

ويبقى لمواقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» و«تويتر» فضل كبير فى كسر احتكار جماعة الإخوان للشبكة الاجتماعية التى بنتها فى عالم الواقع، وكان بوسعها وحدها أن تقوم بتعبئة عشرات الآلاف فى أسرع وقت للاحتشاد والاحتجاج، بينما كانت الأحزاب والحركات الاجتماعية المصرية عاجزة عن هذا.

الآن بوسع أى خبر أو صورة أو شريط مصور أن يجمع حوله مئات الآلاف بلا الملايين فى لحظة وجيزة، ويمكن لهؤلاء أن ينزلوا إلى الشارع إن احتاج الأمر أو اقتضى، فى عملية أخذ ورد بين «فيس بوك» و«ناس بوك» بلا توقف ولا هوادة.

ومع هذا لا يجب لأحد أن ينسى أن «فيس بوك» أو «تويتر» هما مجرد عالم افتراضى مهما بلغ حجم المتداولين عليهما، وليس بوسع أحد أن يحقق ما يريد سوى من خلال الناس لأنهم هم الأساس.

omantoday

GMT 21:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر

GMT 21:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتلة صورة النصر

GMT 21:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 21:53 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الهُويَّة الوطنية اللبنانية

GMT 21:52 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

عقيدة ترمب: من التجريب إلى اللامتوقع

GMT 21:51 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

صعوبات تواجه مؤتمر «كوب 29» لمكافحة التغير المناخي

GMT 21:50 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

بين الديمقراطيين والجمهوريين

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«فيس بوك» و«ناس بوك» «فيس بوك» و«ناس بوك»



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab