مصطفى الفقي
أتساءل كثيرًا بينى وبين نفسى لو أننى أخرجت ما بداخلى فى شفافية ووضوح: ما الثمن الذى يمكن أن أدفعه؟ ثم أعود فأقول إن أكبر قدر يمكن طرحه من المخزون الذاتى هو أمر مفيد لجميع الأطراف، فهو يرفع عن كاهل المرء جزءًا كبيرًا من ذلك الهاجس الداخلى المتصل، الذى يشكل لدى صاحبه ملامح المشهد الذى يراه ويُكَوِّن رؤيته تجاه مَن يعرف، وإذ نحن فى ختام عامٍ ميلادى، فلِمَ لا يدفع الإنسان بجزء من مكنون أفكاره وبعض رؤيته، ليقدمها فى التزام أخلاقى وموضوعية كاملة، وأنا أتساءل مرة أخرى عن جدوى الكتمان الدائم لكل الأفكار والآراء والرؤى التى تعتمل فى صدور البشر، وأتصور أننا لو طرحنا الجزء الأكبر منها، منتقلين به من «الحوار الصامت» إلى «الحوار العلنى»، فذلك تحريك للخيال الراكد، لذا قررت أن أبدأ بنفسى، وأطرح أسئلة مشروعة، معظمها سياسى فى هذه المرحلة، وأبدأ بسؤال صادم، وهو: كيف ترى كمواطن الرئيس المصرى المشير «السيسى» وهو يقترب من عامه الثانى فى حكم «الكنانة»؟ وأجيب- فى صراحة ووضوح- إننى أراه تقيًا نقيًا طاهر اليد عف اللسان شديد الحرص على المصالح العليا للبلاد وشديد الرغبة فى إرضاء العباد وهو وطنى غيور وجسور، ولكن بما أننى قد ابتلعت، صباح اليوم، قرصين أحدهما للصراحة والثانى للموضوعية، ولم يعد أمام السبعينى من عمره أن يكتم الشهادة، فإننى أتوجه إليه مباشرة، داعيًا إياه إلى أن يعيد النظر حوله فى الدوائر الصغيرة القريبة منه والدوائر الكبيرة البعيدة عنه، ليزيد من معاونيه عددًا ونوعية، كمًا وكيفية، وألا يسمح بإهدار كفاءات رفيعة المستوى فى كافة المجالات تحت دعاوى الإقصاء أو الحديث غير المتوازن عن الانتماءات وإعمال النظرة الشخصية لدى البعض عند تقييم الآخرين، ولأنى عرفتك أيها الرئيس عن قرب فى أكثر من مناسبة قبل الثورة وبعدها، فإننى أذكر لك أنك قلت أمامى ذات يوم: «إن الجيش المصرى يدرك أن مسؤوليته الأولى هى الدفاع عن الوطن، ولن يتقاعس يومًا عن مهامه المقدسة، ولن يصرفه عن ذلك بريق آخر»، وسمعت مرة ثانية منك مباشرة- قبيل توليك السلطة- أن مسؤولًا أمريكيًا كبيرًا اتصل بك، متحدثًا عن احتمال تخفيض المعونة، ولكنك لم تغضب ولم تنفعل، بل قلت له نشكركم على ما فعلتم، وإن كان ذلك الأمر شديد الحساسية بالنسبة للشعب المصرى فى هذه الظروف، فاتصل بك ذلك المسؤول بعدها بأيام يخبرك بأن كل شىء على ما هو عليه، وأنهم عدلوا عن قرارهم! وأظن أن كياستك الدبلوماسية وحصافتك الشخصية هى التى أدت إلى ذلك العدول بدلًا من الغضب وإضافة مزيد من المشكلات التى تؤدى إلى توتير العلاقات، ولو أن هناك مَن تعامل مع الأمر غيرك لكان من الممكن أن يفتح جبهة فى غير توقيتها، وأذكر أيضًا أننى التقيتك- وأنت وزير للدفاع فى ظل حكم «الإخوان»، وكان اللقاء بترتيب من زميل دراستى وصديقى اللواء مهندس د. «محمد العصار»، الذى كان دائمًا قريبًا منك محبًا لك- ويومها قلت لى: «إن عصر الانقلابات العسكرية قد انتهى، وإن أساليب النصف الثانى من القرن العشرين قد عفا عليها الزمن، وإن الجيش لا يتحرك إلا إذا تلقى أمرًا من شعبه وشعر عن يقين كامل بأنها إرادته الحقيقية،
عندئذ يتحتم على قواته المسلحة أن تصدع للأمر وأن تلبى النداء»، وهذا ما فعلته أنت ولم تخرج عن النص الذى قلته لى، وأنا أرد بهذه الواقعة دائمًا على بعض المُغرضين الأجانب، الذين يتحدثون عما يسمونه «انقلاب 3 يوليو 2013»، ولذلك فإن ما أتوجه به إليك، اليوم، هو محكوم بالمحبة الزائدة والاحترام الكامل، وإننى أتمنى عليك أن تملأ بعض الفراغات من حولك بكفاءات مصرية كثيرة عصفت بها تسميات دخيلة، إذ إن الوطن فى حاجة إلى كفاءة وخبرة كل أبنائه دون استبعاد أو استغناء، كذلك فإن منطق الإقصاء غير مبرر ما لم يكن هناك حكم قضائى أو تجريم سياسى، خصوصًا أن «مصر» قد تغيرت كثيرًا، بعض المتشائمين يرونه تغييرًا سلبيًا، ولكننى- وبعد لقائى بنواب الشعب الجدد فى 4 محاضرات- أستطيع أن أقول لك إننى شعرت بارتياح شديد أمام مجلس فيه أكثر من 35 مسيحيا مصريا وقرابة 85 سيدة، بالإضافة إلى ذوى الاحتياجات الخاصة والمصريين فى الخارج، مع نسبة عالية من الشباب من كافة فئات الوطن، إن ذلك قد جعلنى أدرك أننا أمام مجلس للنواب يعبر عن القطاعات المختلفة للشعب المصرى وعن شرائحه المتعددة نستكمل به الاستحقاق الثالث من «خارطة الطريق»...
لذلك فإن الاستعانة بأبناء «مصر» فى كافة المجالات والتخصصات أمر لازم، فـ«الهنود» مثلًا- يا سيدى الرئيس- عندما يبحثون عن كفاءة هندية لا يفكرون فى ديانته أو بعض الأخطاء البشرية لديه، ولكن يركزون على معيار كفاءته وندرة خبرته، وأنا أرى ذلك ميزة كبرى لتوظيف الموارد البشرية على أفضل نحو، و«مصر» بلد غنى بالبشر ثرى بالكفاءات حافل بالخبرات، ولكننى أرى أحيانًا- واعذرنى يا سيادة الرئيس- أن البعض ليس فى موقعه الصحيح، وأن «مصر» تحتاج منكم إلى خلطة جديدة تعيد ترتيب الأوراق وتضع الأفضل فى المكان الأنسب، وأنا أعرف خبرات متميزة جرى تهميشها أو قطع الصلة بها، بدعوى أن الماضى لا يعود، بينما الأمر فى ظنى أن معيار الخبرة يجب أيضًا أن يسود، وأنا أعترف هنا بأنك قد ورثت تركة مثقلة من العقود الماضية- أعانك الله عليها- ولأننى قد جاوزت السبعين، فإننى لست من المتطلعين، فقد أعطتنى حياتى معرفة وفكرًا أوظفهما لخدمة الأجيال الجديدة، ردًا لدَيْن علىَّ لوطن أنتمى إليه وأعتز به، إنك فرصتنا النادرة للإصلاح، وإذا أفلتت فسوف يكون الثمن غاليًا علينا جميعًا، فأنت أمل الوطن والكل يراهن عليك وليس ذلك عليك بعزيز.. مع تهنئة لـ«مصر» والمصريين بعام جديد نستودعه أغلى الأمنيات ونستعد معه أيضًا لأصعب التحديات!