المبادرات البناءة

المبادرات البناءة

المبادرات البناءة

 عمان اليوم -

المبادرات البناءة

بقلم: مصطفي الفقي

إن استقراء تاريخ الصراع العربى الإسرائيلى يؤكد أن الثوابت التى يتبناها الجانب العربى هى كما هى وهذا أمر طبيعى إذ إن صاحب الحق لا يتخلى عن مفردات حقوقه، ولكن اللافت للنظر هو أن اللغة السياسية للعرب عامة والفلسطينيين خصوصًا والشعارات المطروحة لم تتغيّر منذ سنوات حتى تعود عليها المستمع الأجنبى ولم يعد يعطيها نفس الاهتمام الذى تستحقه لأنه اعتاد تكرارها وخلوها من مضمون جديد، ولذلك فإننى أحسب أن الاعتماد على لغة مختلفة وأفكار متنوعة هو أمر يمكن أن يعطى القضية الفلسطينية قوة دفعِ وزخمًا يختلف عن ذلك الذى يحيط بها منذ سنوات، فنحن بحاجة ملحة إلى تعبيرات لافتة وأطروحات جديدة تمنح من يستمع إليها أو يقرأ عنها شعورًا بأن شيئًا جديدًا قد أصبح يسيطر على العقل العربى الذى يتجه إلى تجديد الخطاب السياسى مثلما فكر من قبل فى تجديد الخطاب الدينى، خصوصًا أن إسرائيل قد برعت فى اختلاق الدعاوى الدينية واصطناع الأحداث التاريخية ولم يعد أمام العرب إلا لغة النضال الحاسم والسعى حثيثًا لتغيير الواقع بشكل جذرى، لذلك فإننى أطرح مجتهدًا المبادرات الآتية:

أولاً: إن توحيد الضفة وغزة أمر مطلوب سياسيًا وليس جغرافيًا فقط، بمعنى أن يصبح القطاع والضفة الغربية متلازمين سياسيًا ودعك من المظاهر الاحتفالية التى تم بعضها فى موسكو وبعضها فى بكين بدعوى أن ذلك توحيد للصف الفلسطينى، فتوحيد الصف قضية موضوعية وليست مظهرًا شكليا، فيجب أن يقتنع الفلسطينيون بذلك اقتناعًا كاملاً يجرى فيه مراجعة ما تم والاعتراف بالخطأ من جانب البعض والمضى على الطريق المستقيم الذى يدفعنا نحو الأساليب العصرية التى تستوعب أفكار الأطراف الأخرى بما فيها الخصم حتى يمكننا أن نمضى فى الصراع على أرضية الفكر السياسى الحديث دون ترديد عبارات مستهلكة من قبيل «الشرعية الدولية» و«الدعم الأمريكى المطلق لإسرائيل» وغيرهما من الحقائق التى لا جدال فيها، ولكن المطلوب أن نجد ما يمكن أن يتقبله العقل الأجنبى وتلوكه ألسنة المجتمعات الدولية والحكومات المختلفة شريطة أن يكون واضحًا ومحددًا، فلقد لاحظت على سبيل المثال أن تعبير «حل الدولتين» تعبير يردده الجميع بلا وعى ولا معنى، وأظن أن الكل يحاول أن يمضى على مدرسة الداعم الأول للدولة العبرية فى العقود الأربعة الأخيرة وأعنى به الداهية اليهودى الألمانى الأصل «هنرى كيسنجر» الذى ابتدع نظرية «الغموض البناء» والمعنى واضح، فالغموض البناء يرضى كل الأطراف بلا ثمن ولا يعطى حلا واضحًا مثل القرار البريطانى فى مجلس الأمن رقم 242 لعام 1967 وغيره من القرارات التى استهلكها العقل العربى وابتلع الطعم معها فى محاولة لتفتيت الأوضاع والإبقاء على ماهى عليه.

ثانيًا: إن الذين يتحدثون كثيرًا عن الرأى العام العالمى ينسون أو يتناسون أنه ظاهرة مؤقتة تتأرجح فى اتجاهات مختلفة وفقًا لمصالح أصحابها وليس للمبادئ القانونية الحاسمة والجازمة، والقياس على ذلك سهل، فالذين يتعاطفون مع الشعب الفلسطينى ليسوا على قلب فكر واحد وعقل واحد ورؤية مشتركة بل هم يثرثرون فى المحافل الدولية ويصرخون فى الأسواق العالمية، ولكن لا يوجد حل براجماتى يلتف حوله سواد المؤيدين والمعارضين معًا!

ثالثًا: إن تكرار الحديث النمطى بإيقاع واحد يفقد القضية – أى قضية – الزخم الذى تتوقعه والتأييد الذى تحتاجه، لذلك يمكن اللعب دومًا على المواقف المتأرجحة شرقًا وغربًا، وعلى سبيل المثال فإنه يمكن تشكيل حكومة فلسطينية فى المنفى بعقل متفتح ورؤية مختلفة وقدرة على المواءمة مع الظروف الدولية والتكيف مع الأطروحات المعادية حتى ولو كانت مستفزة، ويمكن أن نقدم فى هذه الحالة طعمًا يدور حول مفاهيم السلام الشرق أوسطى والتعايش المشترك لسكان المنطقة نقبل فيه ما يمكن أن نحتمله، ولكنه يبدو جديدًا أمام غيرنا، فحكومة فلسطينية فى عاصمة غير عربية يمكن أن يدفع بالأمور إلى ما هو أفضل ويدعو إلى حوار مختلف لم يكن متاحًا حتى الآن، ولنا فى النمط الجزائرى فى أثناء حرب التحرير قدوة، وأنا هنا لا ألوم الجانب العربى، ولكنى أؤكد أهمية المضى على طريق مختلف غير الذى جربناه عبر سبعة أو ثمانية عقود.

رابعًا: إن العالم قد تغيّر وأساليب العمل الدبلوماسى قد تبدلت ولم يعد ممكنًا التفكير فى مستقبل الصراع بأساليب قديمة أو آليات لم تكن محل تجاوب فى نزاعاتٍ أخرى، إن الصراع العربى الإسرائيلى يحتاج إلى نهجٍ جديد بأطروحاتٍ لافتة وأفكارٍ غير تلك البالية مهما كانت قيمتها السابقة، فالعالم يفكر بعقلية شبابه ويمكن الانطلاق بها من التعاطف النسبى مع ضحايا غزة كنقطة بداية فقط، ولكن بأسلوبٍ مختلف وفكرٍ جديد.

إننى أطالب بعقلٍ عربى مختلف ورؤية قومية جديدة تضع العرب فى بؤرة الأحداث لأنهم حاليًا على الهامش فى كل حالاتهم وأوضاعهم وأفكارهم بما لا يدع مجالاً للخروج من المأزق، إن القضية الفلسطينية بحاجة إلى فكرٍ مختلف، ولكن من خارج الصندوق!

نقلا عن الأهرام

 

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المبادرات البناءة المبادرات البناءة



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab