البدايات المقلقة

البدايات المقلقة

البدايات المقلقة

 عمان اليوم -

البدايات المقلقة

عمرو الشوبكي

لم يكن يتخيل أكثر المعادين للمسار السياسى الحالى أن تقدم لهم هدية للتشكيك فى العملية السياسية والانتخابية الحالية مثلما فعل قرار اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية الفجائى والصادم بمد التصويت ليوم ثالث فى اختراع سياسى وقانونى مستحيل أن تراه فى الدول المحترمة والنظم الديمقراطية ولا حتى فى بوروندى وجزر القمر.
والحقيقة أن هناك مشكلة هيكلية فى أداء الدولة المصرية منذ نهايات عهد مبارك وحتى الآن، وهى خضوعها الكامل لحسابات اللحظة والتفاصيل الصغيرة دون امتلاك أى رؤية سياسية تحسب تداعيات أى موقف أو قرار، فكل شىء قابل للفصال والمراجعة، وتفنن الدخول فى التفاصيل الصغيرة يدخلك حين تغيب الرؤية السياسية فى تفاصيل أصغر، وخناقات الشوارع تدخلك فى حوارى ثم فى أزقة وهكذا.
كيف يمكن أن نتصور بلدا يريد أن يبنى نظاما سياسيا محترما وقويا تخضع قراراته لهذا القدر من العشوائية والتخبط، وكيف يمكن لبلد يريد التقدم أن تغير لجنته العليا مواعيد الاقتراع تبعا لضجيج بعض الإعلاميين وهتافات بعض السياسيين، حتى لو كان الثمن أن يفقد مزيد من المصريين الثقة فى العملية السياسية وفى شرعية الانتخابات، ومعهم قطاع أكبر من الرأى العام العالمى.
إن انتخابات رئاسية محسومة نتائجها سلفا لصالح مرشح الدولة يجب ألا يكون هدف القائمين عليها الضمنى أو الصريح هو «إجبار» الناخبين على التصويت وترغيبهم بربط انتمائهم الوطنى بالتصويت فى الانتخابات، أو ترهيبهم بغرامة الـ 500 جنيه فى حال عدم التصويت.
إن الحملة الإعلامية المكثفة والرديئة فى حقيقة الأمر من أجل دفع الناس للذهاب للتصويت فى الانتخابات قد تكون دفعت البعض للتصويت، ولكنها بالتأكيد استفزت الكثيرين ودفعتهم إلى عدم التصويت ومقاطعة الانتخابات.
الطبيعى فى ظل بلد يريد أن يبقى طبيعيا ألا تكون هناك من الأصل غرامة على المقاطعين، وأن أى انتخابات فى ظروف طبيعية (قد نتفهم اللحظة الاستثنائية الحالية فى ظل الإرهاب وتهديدات الإخوان) يجب ألا تفرض أى غرامة مالية على المقاطعين، فالبلاد المحترمة غير الشمولية، ولو حتى شبه ديمقراطية، تجعل المواطن حريصا من تلقاء نفسه على أن يؤدى واجبه الانتخابى ويصوت، ومن حقه أن يبطل صوته، ومن حقه أيضا أن يقاطع، فهذه كلها اختيارات طبيعية.
إن نزول بعض المصريين خوفا من دفع الغرامة أو إغلاق المقاهى و«المولات» التجارية من أجل دفع الناس للتصويت أمور شديدة الغرابة وستضر بالغ الضرر بالعملية السياسية، وافترضت وفق الطريقة المباركية أن المهم أن يحصل السيسى على أكثر مما حصل مرسى، وأن تكون نسبة المشاركة أكبر من الانتخابات السابقة، وهى كارثة حقيقية لأنها تعبر عن طريقة تفكير لن تساعد على تقدم البلد خطوة واحدة للأمام، إنما سترجعه خطوات للخلف.
الطبيعى فى كل بلاد الدنيا أن يحلل الخبراء نتائج الانتخابات ونسب المشاركة، ويعرفوا لماذا زادت ولماذا نقصت، ويحلل علماء الاجتماع تصويت الشرائح العمرية والطبقية المختلفة والنسب الذى حصل عليها كل مرشح فى كل محافظة والفروق بين الحضر والريف ومدن الشمال والجنوب ودلالات التصويت، وهى أمور إذا كنا جادين فى بناء نظام سياسى جديد لا تبنى بالولولة والهتاف والشعارات الوطنية.
مؤشرات الانتخابات الرئاسية تقول إن نسبة المشاركة معقولة ما بين المتوسطة والجيدة (قد تكون حتى الأمس فى حدود 37%)، وفى حال تأكدنا أنها نسبة منخفضة فعلينا أن نحلل أسبابها ونعمل على مواجهتها، لا أن نتهم الناس بالتكاسل أو نطالب مرسى بالعودة.
من المهم أن نعرف أن نسب المشاركة فى أوروبا الديمقراطية (باستثناء الدول الإسكندنافية) فى حدود 60%، وأن تكون نسبة المشاركة عندنا ما بين 40 و50% هو أمر طبيعى وليس كارثيا، إنما الكارثة فى ألا نتعرف أن هناك عزوفا نسبيا أو محدودا أو كبيرا بعد إعلان النتائج، ونبدأ فى تحليل أسبابه وليس مد التصويت يوما أو أسبوعا فى فضيحة سياسية من العيار الثقيل.
إن مصر تعانى من أزمات هيكلية فى بنية مؤسساتها، وتحتاج إلى إصلاحات جراحية حتى يمكنها الوقوف على قدميها.
وبصرف النظر عن الأسباب التى دفعت اللجنة العليا للانتخابات إلى اتخاذ هذا القرار، فإن الشعب المصرى صار على يقين بأن الدولة تحتاج إلى إصلاح حقيقى، وأن الطريقة التى أدارت بها اللجنة العليا العملية الانتخابية جعلت قراراتها محل اتهام، ودفعت قطاعا واسعا من الناس إلى التشكك ليس فقط فى استقلاليتها، بل فى جدوى العملية الانتخابية برمتها.

 

 

 

omantoday

GMT 17:25 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قرن البولندي العظيم (حلقة 2): اكتئاب ومشاكل

GMT 17:24 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة هوكستين... وعودة الدولة

GMT 17:23 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

عيد عُمان... ومعنى الأعياد الوطنية

GMT 17:21 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان... في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 17:20 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة مُغَيّبة والتدوير باقِ!

GMT 17:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

السّمات الدولية لسياسة ترمب

GMT 17:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قمة الرياض: أمن الإقليم مرتكزه حل الدولتين

GMT 17:14 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

السودان أمام المجهول

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البدايات المقلقة البدايات المقلقة



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 20:07 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab