المشروع الوطنى الفرصة الأخيرة

المشروع الوطنى: الفرصة الأخيرة

المشروع الوطنى: الفرصة الأخيرة

 عمان اليوم -

المشروع الوطنى الفرصة الأخيرة

بقلم: عمرو الشوبكي

قد يرى البعض أن الانقسام السياسى الحادث فى مصر هو بين إسلاميين وتيارات مدنية، وبين إخوان وأغلب المجتمع، وبين يسار ويمين، والحقيقة أن كل هذا يعكس جانباً من الانقسام السياسى، ولكن من المؤكد أن هناك انقساماً أكبر وأعمق بين مشروع الداخل الوطنى ومشروع الخارج المتعولم (المنتمى بالكامل إلى المنظومة العالمية).
والمؤكد أن هذا الانقسام يحمل جوانب وجدانية وسياسية تتعلق بنظرة كل طرف للدولة الوطنية المصرية، فما بين نظرة فيها من التعالى الوجدانى والسياسى على مؤسساتها (وكأن «البيه» مستورد من السويد) يرددها البعض، وتعكس حالة كراهية واستعلاء لكل ما «صنع فى مصر»، رغم علمنا جميعاً بما فى الصناعة المصرية من عيوب.
ولذا لن نندهش كثيراً أن قسماً كبيراً من كارهى المشروع الوطنى لديهم علاقة خاصة بالغرب وبالمنظومة العالمية، فبعضهم حقوقيون مرتبطون ارتباطاً وظيفياً بمؤسسات غربية، والبعض الآخر مرتبط ارتباطاً وجدانياً أو أكاديمياً أو سياسياً بالمؤسسات العالمية بصورة جعلته ينظر من فوق لحال المؤسسات الوطنية المصرية، وتحولت الرغبة فى الإصلاح، وأحيانا الألم من تدهور هذه المؤسسات، إلى نظرة كراهية واستعلاء لكل ما هو وطنى، فكراهية الجيش و«العسكر» ليست بسبب تدخله فى المسار السياسى، ولا علاقة لها بنقد هذا المسار الملىء بالسلبيات وأوجه القصور، ولكنها كراهية لمؤسسة مهنية بنيت بسواعد الشعب المصرى ومن خلال جهوده الوطنية، وكأن سعادة البعض ستكون مؤكدة لو أشرف جنود المارينز الأمريكيون على انتخاباتنا أو ربما تدخلوا عسكرياً، كما فعلوا فى العراق وليبيا، لإسقاط مبارك أو مرسى.
لم نجد أياً من هؤلاء يتحدث عن رفض الخروج الآمن للجيش الأمريكى من العراق، بعد أن تسبب فى قتل مليون شخص كما رددوا فى مصر بعد ثورة يناير وكأن القضية ليست فى إصلاح وتغيير طبيعة العلاقات المدنية العسكرية، إنما فى تفكيك هذه المؤسسات وإهانتها، لأنها صنعت محليا ووطنيا.
لم يعد مطلب إصلاح وزارة الداخلية مهماً لدى بعض هؤلاء، إنما وصفها بالقاتلة وتجاهل شهدائها، لأن شبكة مصالحهم الخارجية تفرض عليهم هذا النوع من المواقف، الذى فى أحيان كثيرة فضح انتهاكاتها، ولكنها لم تساهم فى إصلاحها، لأن خطابها بدا وكأنه مستهدف وجودها لا حريص على إقناع العاملين فيها بأن الإصلاح والمهنية فى صالحهم أو على الأقل فى صالح معظمهم.
نعم فى مصر هناك انقسام فكرى ووجدانى وسياسى فى التعامل مع مشروع الداخل الوطنى، بين تيار مؤثر وضعيف شعبيا مرتبط بشكل كامل بالمنظومة العالمية، وبين آخر محلى مرتبط بما أنتجته مشاريعه الوطنية فى الداخل منذ حزب الوفد (حزب الجلابيب الزرقاء) والوطنية المصرية قبل ثورة يوليو، والذى كان على هامشه أيضا مثقفون يروّجون لليبرالية مستوردة، فى حين كان الوفد يمثل ليبرالية وطنية حقيقية مرتبطة بالناس، وتكرر نفس الأمر مع جمال عبدالناصر حين كان يصنع تاريخ هذا البلد، وكان هناك من يثرثر فى المقاهى ضد تجربته.
ويبدو أن الأمر يتكرر الآن مرة أخرى، وإن بصورة مختلفة، لأن ما أصاب المشروع الوطنى ومؤسسات الدولة الوطنية من تراجع كبير ليس فقط بسبب اختراقات الخارج، إنما بسبب عجز المشروع الوطنى عن تجديد نفسه فى قالب ديمقراطى جديد.
فهو من ناحية فشل فى دمج معظم تيارات الإسلام السياسى داخل تجربته الوطنية، لأسباب تتعلق أساسا بجماعة الإخوان، وبالتالى خسر على خلاف تجارب تركيا وماليزيا والمغرب وتونس رافدا داخليا يعينه فى معركته مع القوى الخارجية، بل أصبحت جماعة الإخوان المسلمين مرتبطة بشكل أساسى بالقوى الدولية الراغبة فى هدم المشروع الوطنى وتفكيكه على طريق الفوضى الخلاقة، ومن ناحية أخرى لم يقدم مشروع الدولة الوطنية فى قالب ديمقراطى تجديدى حديث قادر على أن يكون مؤثرا فى المعادلة الدولية وملبيا لطموحات أجيال جديدة من الشباب المصرى، فهناك من يقول لفريق كبير من الشباب المصرى: «اصمت لأن الجيش أنقذك من حكم الإخوان»، وهو أمر لن يستقيم، ولن يستمر طويلا، فكثير من الأساليب القديمة عاد بقوة إلى الساحتين السياسية والإعلامية، والخلاف بين قوى الداخل والخارج ليس بالضرورة خلافاً بين وطنيين وعملاء، إنما هو أساسا خلاف بين خيارات فكرية وسياسية، وربما فى جانب منها وجدانية، حتى لو كانت حاضرة فيها المصالح، فهى حاضرة لدى كل الأطراف، ولا يجب قصرها على طرف واحد، وإن عجز النخبة المرتبطة بالمشروع الوطنى عن تقديم نموذج كفء قادر على إدارة صراع سياسى ديمقراطى مع القوى السياسية المختلفة دون استدعاء الاتهامات الأمنية القديمة سيعنى أننا سنسقط فى هاوية ستقضى على الفرصة الأخيرة فى بناء مشروع وطنى ديمقراطى حديث.
ويبدو أن كثيرا ممن يديرون شؤون البلاد يتصورون أن ما جرى فى 3 يوليو أمر هين، وأن البلد يمكن أن يواجه التحديات الخارجية والداخلية بشتم حمدين صباحى مثلا، (رغم أنه جزء من المسار الحالى)، أو بترديد بعض الهتافات الوطنية التى نتصور أننا نحل بها مشكلات البلد، أو وصف المخالفين فى الرأى بالعملاء، وفتح الباب لحالة الاستباحة التى عرفها المجتمع المصرى فى نهايات عهد مبارك، وتعمقت فى السنوات الثلاث الماضية.
إن بعض من يهتفون صباحا ومساء للمشير السيسى يتصورون أن البلد قادر على الوقوف على أقدامه بهذا النوع من الهتافات الرديئة، ويتناسون أن مشروع الداخل الوطنى يواجه تحديات لم يعرفها منذ تأسيس الدولة الوطنية على يد محمد على (1805) حتى الآن، فقد عانى المصريون من حكام وطنيين مستبدين أو فاسدين، ولكنهم هذه المرة معرضون لأن يصنع حكامهم من خارج الحدود مثلما جرى فى أفغانستان والعراق وغيرها.
المؤكد أن مشروع الداخل الوطنى يمثل عنصر قبول شعبى وجماهيرى حقيقى، ولكنه فى الوقت نفسه هو ابن الدولة الوطنية المأزومة والمتراجعة كفاءتها، وابن التعليم الحكومى والوطنى المتراجع أمام التعليم الأجنبى، وابن اللغة العربية المحاصَرة من اللغات الأجنبية.
وإن ما يمكن أن نطلق عليه منذ ثورة 1919 مشاريع التمصير وإحياء المؤسسات الوطنية التى تعمقت مع جمال عبدالناصر من جامعات وبنوك ومؤسسات وطنية قد أصيبت كفاءاتها وأداؤها بعد 30 عاما من حكم مبارك بالتدهور الشديد.
فرغم أن أبناء مشروع الداخل الوطنى هم غالبية الشعب المصرى فإن ضعف كفاءة المؤسسات التى يعملون فيها (بما فيها أحزابهم الوطنية)، وتراجع مستوى التعليم الوطنى العام قد أضعف من قدرتهم على المنافسة والتأثير، وزاد من قوة المؤسسات العالمية واختراقاتها داخل مصر.
أن تكون مرشح الوطنية المصرية بأبعادها العربية والإسلامية فى 2014، فرغم ضمانك الأغلبية الشعبية، فإنك فى وضع أضعف بكثير من مرشحى الوفد قلب الحركة الوطنية قبل ثورة يوليو وجمال عبدالناصر بعدها نتيجة حالة الضعف والاختراق التى أصابت «الجسد الوطنى» العام فى مصر.
حين تكون التهديدات المحيطة بك بهذا الحجم، وحين يكون صراعك مركباً ومتعدد الأبعاد، وتواجهه بهذه الطريقة وبتلك اللغة فأنت حتما ستخسر المعركة، فالبعض يتصور أن مشاريع الداخل الوطنية سقطت فقط بسبب مؤامرات الخارج (التى هى تجسيد لمصالح قوى كبرى خارجية)، إنما هى حقيقة سقطت أو انكسرت بفعل عوامل فشل داخلى، فالغرب تآمر على عبدالناصر فى 1967 ولكن أخطاء نظامه وقادته العسكريين هى المسؤولة عن تلك الهزيمة.
ما جرى فى مصر بعد 3 يوليو لا يريح الغرب، خاصة أمريكا، وحجم القوى المتربصة بمشروع الداخل الوطنى خارجياً وداخلياً أكبر مما يتخيل البعض، ولن يستطيع أن يتقدم هذا المشروع إلا إذا وضع أساساً لبناء نظام سياسى جديد قادر على التنمية والتقدم وبناء الديمقراطية وتأسيس دولة القانون.
نقلاً عن "المصري اليوم"

omantoday

GMT 19:15 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مسافرون

GMT 19:14 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الغرب يخطئ مرتين في سوريا

GMT 19:13 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

لبنان والمسألة الثقافيّة قبل نكبة «حزب الله» وبعدها

GMT 19:12 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

حب وزواج في زمن الحرب

GMT 19:11 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود المياه لمجاريها بين الجماعتين؟

GMT 19:09 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نظرة على الأزمة السورية

GMT 19:08 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

بلاد الشام... في الهواء الطلق

GMT 19:07 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: بدء موسم المبادرات

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المشروع الوطنى الفرصة الأخيرة المشروع الوطنى الفرصة الأخيرة



بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 20:58 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر
 عمان اليوم - إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 20:55 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024
 عمان اليوم - الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 21:08 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها
 عمان اليوم - نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab