عمرو الشوبكي
وضع البعض نفسه فى مواجهة غير مبررة مع القضية الفلسطينية طوال العدوان الإسرائيلى المستمر على غزة، ورفع شعار مصر أولاً، ردا على ما فهم وكأنه غزة أولاً، ونسى الجميع أن شعار مصر أولاً هو دعم وحماية لغزة ثانياً.
ولعل أكبر جوانب الفشل على الساحة العربية هو هذا الصراع الذى جرى بين «الوطنيات العربية» والقضية الفلسطينية، فمن حرب الأردن ضد الفصائل الفلسطينية عام 1969 من أجل الدفاع عن «الأردن»، مرورا بحروب بعض الفصائل اللبنانية ضد الوجود الفلسطينى، انتهاء بقمع النظام السورى للفصائل الفلسطينية التى تعيش فى كنفه حتى ذهبت إلى من يمتلك الشيكات فى قطر.
والحقيقة أن مصر ظلت تاريخيا بعيدة عن سياسة المحاور، ولم يكن لها تنظيم أو دكان تابع لها كما فعل كثير من النظم العربية، وحتى فى عهد عبدالناصر لم تحاول أن يكون لها تنظيم فلسطينى تابع للقاهرة، إنما كان لها خط سياسى نال رضا أغلب الفصائل الفلسطينية، كما أنها لم تتلوث يدها بدماء الشعب الفلسطينى كما فعل بعض الجيوش والنظم العربية الأخرى.
وشكَّل هذا التاريخ فرصة ذهبية لكى تبنى مصر جسور ثقة مع كل الفصائل الفلسطينية، وأن تدعم الشعب الفلسطينى سياسيا ودبلوماسيا دون أى حواجز أو عقد تاريخية.
والحقيقة أن هذه الفرصة التاريخية فى نسج علاقة صحية بالشعب الفلسطينى ضيعناها طوال عهد مبارك بالحديث الدائم عن مصر أولاً، وكأن هناك عاقل واحد يمكن أن يطلب ألا تكون مصر أولاً (باستثناء قادة جماعة الإخوان المسلمين وحلفائهم)، وكرر البعض هذا الحديث نتيجة ابتزاز الجماعة وحلفائها للدولة وللشعب بأن مصر متواطئة مع هذا العدوان، وأن عليها مواجهة إسرائيل ولو عسكريا.
والمؤكد أن مصر غير مطالبة بالدخول فى حروب أو مغامرات عسكرية ضد إسرائيل، وهى أمور لن يفعلها جيش عربى أو إسلامى، ولم يطلب منها أن تهمل مشكلات المصريين لصالح حل مشكلات الفلسطينيين، ولكن فشل النظام الحاكم على مدار 40 عاما فى حل مشكلات الشعب المصرى جعلها تخلق تناقضا وهميا بين دعم القضية الفلسطينية ومشكلات مصر.
وأصبح دعم فلسطين انتقاصا من مصر، وكأن العهود السابقة أفرطت فى الاهتمام بالشعب المصرى، حتى صارت تخشى من أن يأخذ الفلسطينيون جانبا من هذا «الحب الزائد»، وهو فى الحقيقة ما حدث عكسه، حيث لم يعان الشعب المصرى من تجاهل وفقر واستبداد مثلما عانى فى العقود الأربعة الأخيرة، كما أن هذا التبلد الإنسانى والسياسى فى التعامل مع كوارث الشعب المصرى كان هو نفسه الذى حكم الموقف الرسمى من العدوان الإسرائيلى على غزة.
إن غياب شعار مصر أولاً غيَّب شعار فلسطين ثانياً، والفشل فى مواجهة كارثة العبَّارة منذ عدة سنوات وحوادث الطرق والقطارات طوال السنوات هو نفسه السبب الذى جعل تضامننا مع الشعب الفلسطينى أقل من مجتمعات أوروبية وإسلامية كثيرة.
نعم، مصر أولاً، ولا أحد يطالب بغير ذلك، وهى تعنى تلقائيا فلسطين ثانياً، والتضامن مع أهل غزة واجب وفرض على كل مصرى.