بقلم : عمرو الشوبكي
التحدى أمام أى نظام سياسى حديث هو فى قدرته على إحداث عملية تداول سلمى للسلطة، سواء عقب انتهاء مدة الحكومة أو الرئاسة وإجراء انتخابات جديدة، أو سحب الثقة من الحكومة بطريقة سلسة كما يجرى فى النظم البرلمانية وشبه الرئاسية.
برلمان تونس أقدم على الخيار الصعب فى أى نظام سياسى تحكمه دولة قانون، وقام بسحب الثقة من حكومة الحبيب الصيد بأغلبية ساحقة (صوت 118 نائبا مع سحب الثقة، وامتنع 27 عن الإدلاء بأصواتهم، ورفض 3 نواب)، نتيجة تردى أدائها على المستويين السياسى والاقتصادى، وأيضا فشلها فى ملف مكافحة الإرهاب.
والحقيقة أن أداء أى حكومة ليس فوق النقد، وسحب الثقة منها ليس علامة فشل ولا مؤامرة على الدولة، إنما هو ضمانة للتقدم ودليل على قدرة النظام السياسى على مراجعة أخطائه وتصحيحها، وأن ما جرى فى تونس هو اختبار حقيقى لأول إجراء ديمقراطى صعب فى بلد لايزال يضع أقدامه على أول سلم التحول الديمقراطى.
والحقيقة أن قيمة ما أقدم عليه البرلمان التونسى أنه فتح الباب للتغيير عبر الأدوات الديمقراطية والوسائل السلمية، خاصة أن هذا الإجراء جاء عقب انتفاضات شعبية واسعة ضد الحكومة فى يناير الماضى اعتدت على منشآت عامة وخاصة، وهلل لها البعض متصورا أنها «بشارة الثورة» التى ستنجح مرة أخرى فى تونس، ولكن هذه المرة ستسقط نظاما منتخبا ديمقراطيا بغير الطريق الديمقراطى، بما يعنى فى النهاية فشل تجربة التحول الديمقراطى الوحيدة فى العالم العربى.
والحقيقة أن إسقاط رئيس وحكومة منتخبة عبر الاحتجاجات لا يمكن مقارنته بثورة الشعب التونسى ضد الرئيس المستبد زين العابدين بن على، فلو سقطت الحكومة بالشارع فهذه علامة فشل وانهيار وخيبة، فى حين أن سقوط نظم مستبدة مثل مبارك وبن على والقذافى ومرسى بفعل انتفاضات شعبية هو علامة صحة ونجاح وليس فشلاً.
والحقيقة أن خطوة البرلمان التونسى بسحب الثقة من حكومة الصيد جاءت فى أعقاب نجاح أكبر للعملية السياسية فى دمج القوى الرئيسية السلمية داخل البرلمان، وهو ما جعل الطريق مسدودا أمام تغيير الحكومة باحتجاجات الشارع، أو إسقاط الرئيس الحالى الباجى قائد السبسى، عبر تصريحات الرئيس التونسى السابق، المنصف المرزوقى، حين طالب بضرورة إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
قوة البرلمان وليس قوة أجهزة الأمن انعكست على قوة النظام السياسى، وأفشلت أى محاولة للتغيير بغير الطريق السلمى والديمقراطى.
حين يكون البرلمان معبرا عن مختلف الأطياف السياسية الموجودة فى الشارع فإن قرار سحب الثقة من أى حكومة وفق الدستور والقانون يعنى فى الحقيقة «ثورة سلمية»، ودليلا على أن الآلية الديمقراطية تنقذ الشعوب من الفشل السياسى والاقتصادى ومن حكم الفرد، وأيضا من مخاطر الثورات الشعبية، وأن أى مجتمع يستطيع أن يصل إلى بناء نظام سياسى تقبل فيه الأطراف الحزبية المختلفة بعملية تداول السلطة وبسحب الثقة من الحكومة فإن هذا معناه أنه على الطريق الصحيح مهما كانت التحديات والصعاب التى تقف أمامه.
ما جرى فى تونس هو نجاح نتمنى تكراره فى بلدان عربية أخرى، فليس مطلوبا أن يسحب البرلمان الثقة من الحكومة حتى نقول إن الديمقراطية نجحت، إنما أن تكون هذه الوسيلة فى يد البرلمان يستطيع تطبيقها بلا خوف أو ضغوط.