بقلم:عمرو الشوبكي
فى إسرائيل انقسامات سياسية عميقة بين مختلف الأحزاب والقوى السياسية، وانقسام بين المتدينين «الحريديم» الذين لا يعملون ولا يتعلمون تعليمًا حديثًا، ولا يخدمون فى الجيش، والمدنيين الحداثيين الذين هم مع العلم والتقدم والتنمية، وأيضًا مع قتل الفلسطينيين وارتكاب جرائم إبادة جماعية بحقهم.
مظاهرات أمس الأول فى تل أبيب، التى قُدرت بعشرات الآلاف، وطالبت باستقالة نتنياهو، تدل على عمق الانقسام بين الحكومة والشارع، ومع ذلك فإن كل هذه الانقسامات لم تمنع اتفاق الغالبية الساحقة من الإسرائيليين على استمرار حرب غزة من أجل القضاء على حماس، حتى لو كلف الأمر إبادة الشعب الفلسطينى وتهجيره، وأصبحنا أمام مفارقة أن الإسرائيليين يختلفون فيما بينهم تقريبًا على كل شىء إلا على قتل الفلسطينيين واستمرار العدوان.
بالمقابل، سنجد أن هذا السجال المتصاعد بين فتح وحماس وبين السلطة والمقاومة نسى فيه البعض أو تناسى مسؤولية الاحتلال عن مآسى الشعب الفلسطينى.
سجال فتح وحماس وما بدأ يردده البعض فى وسائل الإعلام عن مسؤولية المقاومة فى إعادة احتلال إسرائيل قطاع غزة، ووقوع النكبة التى يعيشها الشعب الفلسطينى، حتى وصل الأمر أن ذكر بيان لفتح أن حماس «لم تشاور القيادة الفلسطينية أو أى طرف وطنى فلسطينى عندما اتخذت قرارها القيام بمغامرة 7 أكتوبر، التى قادت إلى نكبة أكثر فداحة وقسوة من نكبة 1948».
الحقيقة أن الحديث عن مسؤولية حماس أو فتح عما جرى للشعب الفلسطينى من نكبات معاصرة أو حالية يقدم للاحتلال هدية لكى يقول إنه القادر على إدارة قطاع غزة عسكريًا وسياسيًا بشكل مباشر أو غير مباشر، وإن رفضه قيام دولة فلسطينية ستكون إحدى حججه الرئيسية هى الانقسام الفلسطينى كما جرى سابقًا.
إن الاحتلال هو المسؤول عن الجرائم التى تُرتكب فى غزة وليس حماس، كما أنه هو المسؤول عن الجرائم التى تجرى فى الضفة الغربية وليس فتح أو السلطة.
إن صعود حماس وامتلاكها حاضنة شعبية كبيرة جاء بسبب إفشال إسرائيل مسار أوسلو السلمى، حين قامت بمضاعفة أعداد المستوطنين والمستوطنات فى الضفة الغربية، واعتقلت وقتلت نشطاء المقاومة السلمية والمسلحة، وقضت على حل الدولتين، بصرف النظر عن أخطاء السلطة الجسيمة فى إدارة الأراضى الفلسطينية أو أخطاء حماس الفادحة فى إدارة قطاع غزة منذ سيطرتها عليه بالقوة المسلحة فى ٢٠٠٧.
إسرائيل فيها انقسامات عميقة، وفيها مواجهات تجرى فى الشارع وداخل الحكومة وفى مجلس الحرب وتحت قبة البرلمان، ولكنها رغم هذه الخلافات تعمل جميعها على تصفية القضية الفلسطينية، أما الانقسام الفلسطينى ففيه جانب طبيعى إذا كان يتعلق باختلاف الرؤى والبرامج، ولكن الجانب غير الطبيعى أن يتحول إلى تناقض وحروب داخلية تنسى فيه السلطة والفصائل أن عدوهم الأساسى هو الاحتلال وليس فتح أو حماس.