بقلم - عمرو الشوبكي
معركة حماس فى قطاع غزة تختلف عن معارك كثيرة خاضتها الدول العربية مع إسرائيل من زاوية أنها ليست بين جيوش نظامية، إنما بين تنظيم مسلح عقائدى وبين جيش نظامى، كما أنها حرب تستهدف فيها دولة الاحتلال شعبًا وليس جيشًا أو عناصر مسلحة، إنما أقامت حربها أساسًا من أجل استهداف المدنيين الفلسطينيين والانتقام منهم وارتكاب جرائم الإبادة الجماعية.
ومع ذلك، فإنها مثل كل الحروب العربية الإسرائيلية لها بُعدان، بُعد يجرى فى ساحة القتال، وبُعد يجرى فى ساحة السياسة، ومعضلة حركة حماس أن جناحها السياسى تأثيره ضعيف على بنية الجناح العسكرى، ومرفوض دوليًّا، ويصنف أيضًا كتنظيم إرهابى.
والحقيقة أن صمود حماس العسكرى على مدار 5 أشهر كان يمكن أن يعلن انتصاره لو كان هناك تنظيم سياسى قوى ومؤثر ومتواصل مع العالم لأنه فى مرات كثيرة كان الانتصار السياسى والشعبى يغطى على أى انكسار عسكرى مثلما جرى فى مصر عقب العدوان الثلاثى فى 1956، فقد خسرت مصر المعركة العسكرية واحتلت سيناء، إلا أن الانتصار الذى تحقق كان شعبيًّا وسياسيًّا.
فعلى المستوى الأول كانت المخططات البريطانية الفرنسية الإسرائيلية تقوم على سقوط نظام عبدالناصر فور حدوث العدوان بسحب أو تحييد التأييد الشعبى، وما جرى كان العكس تمامًا، فقد صمدت المقاومة الشعبية فى مدن القناة، وخاصة فى مدينة بورسعيد، ودعم الشعب قرار عبدالناصر بتأميم قناة السويس، وفُرض على المجتمع الدولى التسليم ببزوغ عصر التحرر الوطنى، الذى غيّر خريطة العالم وأسس لمرحلة جديدة أنهت عصر الاستعمار.
انتصار ٥٦، الذى حققه عبدالناصر فى «معركة السويس»، لم يكن انتصارًا عسكريًّا، إنما كان سياسيًّا بامتياز، وأدى الصمود الشعبى السياسى والعسكرى ودعم المشروع السياسى لتجربة التحرر الوطنى إلى انتصار كبير.
كما أن انتصار أكتوبر العسكرى استُكملت أهدافه بالسياسة، وتم تحرير سيناء عبر مفاوضات سلام ومسار تسوية سلمية أطلقه الرئيس السادات مع الجانب الإسرائيلى. صحيح أن كثيرين اعتبروه مسارًا منفردًا، وصحيح أنه لم ينل إجماعًا عربيًّا، إلا أنه نجح بالسياسة فى استكمال ما تحقق فى العسكرية، بصرف النظر عن الاتفاق والاختلاف مع توجهاته.
وجاءت حرب غزة، وطُرح فيها أيضًا سؤال «الغطاء السياسى» لصمود المقاومة المسلحة، واتضحت مشكلة ضعف الجناح السياسى لحركة حماس وعجزها عن بناء مشروع أو جناح سياسى قادر على التواصل مع معظم القوى الكبرى أو الرأى العالم العالمى، وهو ما عطّل من دعم أو ترشيد أو إنقاذ الخيارات العسكرية.
يقينًا، ستدفع حماس ثمن ضعف جناحها السياسى، طبعًا لأسباب كثيرة تتحمل إسرائيل جانبًا رئيسيًّا منها، لكن لابد من العمل على إيجاد بديل أو مشروع سياسى تقبله حماس أو متواصل معها يؤسس لمشروع جديد لحركة جديدة قادرة على التأثير الإقليمى والدولى.