بقلم:عمرو الشوبكي
كلمة الأمام الأكبر، شيخ الأزهر، أحمد الطيب، فى احتفالية ليلة القدر، مهمة وشاملة لأنها من ناحية لم تكتفِ بوضع يدها على نقاط الضعف التى أصابت العالمين العربى والإسلامى، إنما طرحت تصورات لتجاوز هذا الضعف، كما أنها من ناحية أخرى قدمت رسائل إنسانية عميقة فيها دفاع عن قيم سامية يحتاجها العالم وفى القلب منه عالمنا العربى.
وقد اشتبك شيخ الأزهر فى جانب من كلمته مع قضية الإساءة إلى الأديان السماوية حين وصف التيارات المتطرفة فى الغرب: بأن عليهم إدراك الهوة السحيقة بين حرية التعبير وحرية البذاءة والتطاول وبين ثقافة الحضارة وثقافة الغاب المنفلتة من كل القيود.
والحقيقة أن ما قاله شيخ الأزهر محق فيه لأن هناك قيودًا على حرية الرأى والتعبير فى الغرب، كما أن كثيرًا من الزعماء الأوروبيين لم يتقبلوا الرسومات المسيئة للرسول الكريم، وتصريح رئيس وزراء كندا حول أن حرية الرأى ليست بلا حدود كان لافتًا، وحتى فرنسا قوانينها ترفض الإهانة والازدراء والتحريض والكراهية والعداء للسامية والعنصرية، فى حين تقبل الإساءة إلى الأديان والأنبياء، فى مفارقة باتت محل انتقاد. أما الجانب الثانى من كلمة الشيخ الطيب فهو يتعلق بالقضية الفلسطينية، حيث أكد الرجل موقف الأزهر الثابت من دعم الشعب الفلسطينى ومواجهة التحيزات الغربية الفجة لإسرائيل، ولكنه وجه نقدًا فى محله «للضعف العربى» حين أشار إلى أن «تعاملنا مع قضية فلسطين والقدس الشريف لا يعكس حجم ما أنعم الله به علينا من ثروات بشرية وطبيعية هائلة، ومن طاقات جبارة، ومن عقول خلاقة فى كل ميادين الحياة المعاصرة، وقبل كل ذلك: من إيمان راسخ بالله تعالى وثقة لا تهتز فى رحمته بالضعفاء والمستضعفين».
واعتبر الرجل أننا لن نستعيد قدرتنا على النهوض والتقدم ومواجهة أزماتنا وتجاوزها إلا بتحقيق وحدة العرب، و«تطبيق سياسة التكامل الاقتصادى، وتغليب المصالح العامة، والاتفاق على رؤى مستقبلية، وخطط مشتركة مدروسة وقابلة للتنفيذ».
وأعاد الرجل التأكيد على ما سبق أن طرحه فى مؤتمر الأخوة الإنسانية، الذى عُقد منذ عامين فى البحرين، عن ضرورة التقارب بين السُّنة والشيعة، وهو الطرح الذى ظل محل ترحيب دون تنفيذ، ولكنه صاغه هذه المرة بشكل أكثر شمولًا حين طالب بضرورة أن يقوم علماء الأمة بالنهوض لتحقيق «وحدة علمائية» تجمع رموز الإسلام من سُنة وشيعة وإباضية وغيرهم ممن هم من أهل القبلة، يجتمعون بقلوبهم ومشاعرهم- قبل عقولهم وعلومهم- على مائدة واحدة لوضع حدود فاصلة بين ما يجب الاتفاق عليه وما يصح الاختلاف فيه.
دعم فلسطين لم يكن عند شيخ الأزهر مجرد شعار لإبراء الذمة، إنما حمل برنامج عمل عربى متكامل لمواجهة العدوان الإسرائيلى، كما أن الحوار الإسلامى الداخلى بات مطلبًا مُلِحًّا تطلبه الظروف الحالية أكثر من أى وقت مضى.