الديمقراطية التى تهذب

الديمقراطية التى تهذب

الديمقراطية التى تهذب

 عمان اليوم -

الديمقراطية التى تهذب

بقلم : عمرو الشوبكي

الديمقراطية ليست فقط نظاما سياسيا، إنما هى أيضا منظومة قيم متكاملة قادرة على أن تعيد تشكيل خطاب التطرف إلى خطاب قريب من الاعتدال وتهذب شوائبه، تلك قاعدة اختُبرت ونجحت فى أغلب التجارب.

وقد دل الخطاب الأول للرئيس الأمريكى دونالد ترامب على تحول مؤكد فى لغة الخطاب وتهذيب لمفردات التطرف، مقارنة بما كان يقوله طوال حملته الانتخابية، فقد تحَدَّث عن ضرورة إيجاد حلول وسط بين الجمهوريين والديمقراطيين فى التعامل مع ملفات عدة، أهمها الهجرة، ونظام التأمين الصحى الذى اعتمده أوباما، وفى الحرب على الإرهاب تعمَّد إضافة كلمة «مسلمة» للدول الحليفة لأمريكا ليعطى رسائل بأن هناك مسلمين من أهل الخير حلفاء لأمريكا، وليسوا جميعا من أهل الشر الإرهابيين.

وتحدث عن قوانين جديدة للهجرة لا تستهدف أبناء ديانة بعينها، وأكد أنه سيضع نظاما أكثر إحكاما لضبط الحدود، ولم ينسَ أن يعلن عن تعاطفه مع الأطفال، الذين عبروا الحدود الأمريكية مع آبائهم بطريقة غير شرعية، ليخفف من حدة خطابه فى مواجهة المهاجرين، خاصة من المكسيك، بعد أن أكد نيته إقامة سور عازل يفصل بين البلدين.

يقينا ترامب سار فى اتجاه مختلف ليس كما يردد البعض ببساطة لأنه أصبح رجلا مسؤولا ووصل للسلطة ولم يعد رجل انتخابات، إنما لأن الآلية الديمقراطية التى أوصلته للسلطة تفرض عليه أن يعيد النظر فى تطرفه، لأن النظم الديمقراطية تقوم ليس فقط على احترام الدستور والقانون واستقلالية المؤسسات القائمة وحيادها من قضاء وإعلام وأجهزة أمنية وإدارية، إنما أيضا هى منظومة متكاملة تدفع كل مَن يدخل فيها إلى النسبية وقبول التنوع وعدم التطرف فى توجهاته بصورة تُقصى الآخرين.

إن خطاب ترامب فى الكونجرس لم يأتِ من فراغ، إنما هو جاء مع اختبار قوة صغير بين الرجل والمنظومة الديمقراطية بكافة أركانها، فكانت كل الإشارات فى غير صالح تطرفه، فقرارات ترامب الخاصة بمنع دخول مواطنى 7 دول من دخول أمريكا واجهتها السلطة القضائية والإعلام والرأى العام، وأجبرته على التراجع جزئيا فى 3 مسائل: الأولى أنه سمح بدخول حاملى بطاقات الإقامة الدائمة من البلدان السبعة لأمريكا، بعد مراجعة سفارات الولايات المتحدة فى بلادهم، لإضافة إجراء أمنى جديد، والثانية أنه صرح بأن «الحظر لا يستهدف المسلمين، ولا يتعلق بأى ديانة، إنما هو إجراء احترازى لحماية أمن وحدود البلاد»، والثالثة أنه فى طريقة لاستثناء العراق من هذا الحظر، حيث القوات الأمريكية.

المعركة بين ترامب والمؤسسات الحاكمة حقيقية، ولكنها تأتى فى ظل ترسيخ القواعد الديمقراطية، والكلام الفارغ الذى يردده البعض عن الانقلاب العسكرى الأمريكى القادم هو دليل جهل ببديهيات المنظومة الديمقراطية وقدرتها على تصحيح أداء النظام الجديد من داخله وفق المسار الدستورى والقانونى المستقر.

على كل المهتمين بالشأن العام وبالنظم السياسية أن يتابعوا ما يجرى فى أمريكا فى الأشهر القادمة، فلو اتجه ترامب نحو مزيد من التطرف (وهو ما لم يحدث مع الاختبار الأول) ستنقسم أمريكا داخليا بصورة لم تعرفها من قبل، وسنشهد نظاما مختلفا عما عرفه العالم الحر والديمقراطى على الأقل فى نصف القرن الأخير، وإذا عدل ترامب من خطابه بفضل قوة المنظومة الديمقراطية كما شهدنا فى خطابه الأول فإن هذا سيعنى أنه سيسير فى اتجاه مزيد من الاعتدال، وأن آراءه المتطرفة لن تعنى إقصاءً للمخالفين أو تهديدا لوجودهم ولا هدما للقيم التى بُنى عليها النظام الديمقراطى من قبول للتنوع والنسبية فى الآراء والحلول الوسط.

المصدر : صحيفة المصري اليوم

omantoday

GMT 10:33 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

إسرائيل و«حزب الله»... التدمير المتواصل

GMT 10:32 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

أقصى اليمين القادم

GMT 19:24 2024 الأحد ,19 أيار / مايو

شعار حماية المدنيين

GMT 10:07 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

الدعم المطلق

GMT 11:09 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

ما بعد الاجتياح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الديمقراطية التى تهذب الديمقراطية التى تهذب



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab