من المرات القليلة التى تغيرت فيها الوزارة فى مصر للأفضل، ولم تندفع الدولة نحو اختيار الأسوأ كما هى العادة، وضمت الوزارة الجديدة عددا من الوزراء على درجة عالية من الكفاءة والتميز والنزاهة، فتغيرت 9 حقائب وزارية، ودُمجت وزارة التعاون الدولى مع الاستثمار، بالإضافة إلى 4 نواب لوزيرى الزراعة والتخطيط.
وجاءت أسماؤهم كالتالى:
د. عبدالمنعم عبدالودود محمد البنا- وزيرا للزراعة
المستشار عمر الخطاب مروان عبدالله عرفة- وزيرا لشؤون مجلس النواب
د. سحر أحمد عبدالمنعم نصر- وزيرة للاستثمار والتعاون الدولى
د. على السيد على المصيلحى- وزيرا للتموين والتجارة
د. محمد هشام زين العابدين الشريف- وزيرا للتنمية المحلية
د. هالة حلمى السعيد يونس- وزيرة للتخطيط والمتابعة والإصلاح الإدارى
د. خالد عاطف عبدالغفار- وزيرا للتعليم العالى والبحث العلمى
د. طارق جلال شوقى أحمد شوقى- وزيرا للتربية والتعليم الفنى
المهندس هشام عرفات مهدى أحمد- وزيرا للنقل.
وهناك من بين هذه الأسماء مَن أعرفهم معرفة شخصية، واتسم تاريخهم بالمهنية والعطاء، وهناك أسماء أخرى أنجزت فى أماكن عملها، وتركت بصمة واضحة.
ولعل من أبرز هذه الأسماء الدكتورة هالة السعيد، عميدة كليتنا المرموقة (الاقتصاد والعلوم السياسية)، والتى تركت بصمة علمية وإدارية كبيرة، ونجحت أن تدير كلية الاقتصاد بكفاءة ونزاهة طوال السنوات الماضية، وأن تحافظ على احترام التنوع الفكرى والسياسى داخل الكلية، وتضعها فى مصاف الكليات الكبيرة، ولولا القيود الإدارية والأمنية لأصبحت «الاقتصاد والعلوم السياسية» مركز إشعاع ثقافى وسياسى فى مصر والعالم العربى، وربما العالم (ولكنه على كل الأحوال غير مطلوب).
على أنى لا أنكر أيضا أنى كنت من المعجبين بالزميل أشرف العربى، خريج الاقتصاد والعلوم السياسية، فقد كان واحدا من أفضل الوزراء الذين تولوا حقيبة التخطيط، وتمتع بالكفاءة ودماثة الخلق، وكنت أتمنى أن نربح بقاءه فى الوزارة بجانب د. هالة السعيد.
يقيناً تغيير وزير التموين رسالة إيجابية، وسط رسائل أخرى سلبية، تقول إننا فى حكم ينحاز لكل مَن هو عسكرى فقط، فتغيير السيد اللواء، وزير التموين، لصالح د. على مصيلحى (خريج الفنية العسكرية، ولكنه عمل لأكثر من 25 عاما فى الحياة المدنية)، والذى امتلك رؤية سياسية وإدارية ناجحة، وأيضا قدرة على التواصل مع الناس (انتُخب أكثر من مرة نائبا فى البرلمان)، وهو شخص مثقف حاضر الذهن، وأيضا إدارى ناجح.
أما الدكتور خالد عبدالغفار فهو طبيب أسنان معروف، وقابلته ربما لعشر مرات لأسباب «طبية»، وكانت فرصة للنقاش المفصل معه، وهو شخصية مثقفة حاضرة الذهن دمث الخلق يتمتع برؤية نقدية بناءة، فهو ليس من النوعيات الأكاديمية التى تردد كلاما إنشائيا محفوظا ورتيبا، وتلك ميزة مهمة فى وزير التعليم العالى والبحث العلمى الجديد، فمطلوب أن يكون موظفا عاما جيدا، ولكن الأهم أن تكون لديه آراء نقدية من أجل تطوير تدريجى فى منظومة التعليم، حتى تصبح قضية أمن قومى.
وهناك إشادة بالوزير هشام عرفات من مصادر متعددة، سواء من حيث تعليمه ونزاهته، وهناك أسماء أخرى جرت الإشادة بها، وهناك أسماء كثيرة هناك مائة دليل على فشلها، ومع ذلك بقيت فى الوزارة، تماما مثلما أن هناك أسماء أخرى متواضعة الكفاءة دخلت الوزارة، بعيدا عن حرب الإشاعات والأكاذيب، التى اعتدنا عليها مع كل تغيير وزارى فى مصر.
فى المجمل يمكن القول إن الحكومة الجديدة أفضل من سابقتها، وهى تثير نقاشا دائما بين مدرستين فى العمل السياسى وفى فهم تطور النظم السياسية، فهناك الرؤية غير السياسية أو الفنية، التى لا تعطى أولوية للإطار السياسى الذى تتحرك فيه الحكومة، وتركز على الجوانب الفنية والمهنية للوزراء، وترى أن وجود وزير كفء ونزيه يكفى لحل مشاكل وزارته، وهى رؤية موجودة معنا منذ عقود، على اعتبار أن الإطار السياسى (إن وُجد) يحدده رئيس الجمهورية والأجهزة المعاونة.
أما الرؤية الثانية السياسية فهى لا ترى جدوى من تغيير كل الحكومة مادام الإطار السياسى الذى تتحرك فيه لا يدفعها نحو الإصلاح واتخاذ قرارات جريئة، وأن وجود وزراء أكفاء لن يغير كثيرا فى المعادلة القائمة التى حددتها الأجهزة الأمنية والسيادية.
والحقيقة أن كلا الرأيين لهما وجاهة، إلا أن من المؤكد فى بلد مثل مصر أن تنجح النماذج المضيئة فى داخل أى مؤسسة مصرية، سواء كانت حكومية أم خاصة، فى إحداث تراكم إيجابى، يشجع المجتمع على السير نحو الاتجاه الصحيح، ويضغط على الحكم من أجل تغيير جانب من معادلات السياسة.
صحيح أن الوضع الحالى صعب للغاية، وأن قبول أى شخص كفء ونزيه (مثل بعض أسماء أعضاء الوزارة الجديدة) الدخول فى الحكومة هو أمر يستحق التحية، إلا أن قدرته على الإنجاز وترك بصمة فى ظل الإطار السياسى الحالى أمر صعب ولكنه ليس مستحيلا، لأن من الوارد تحت ضغوط الرأى العام وتزايد المشاكل أن يعيد الحكم النظر فى كثير من سياساته واختياراته حتى يكون هناك مردود للتغيير الوزارى.. وهذا ما يتمناه الكثيرون.
المصدر: المصري اليوم