بقلم:عمرو الشوبكي
من الطبيعي مناقشة توجهات حركة «حماس» وبنيتها العقائدية وممارساتها، قبل وبعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، ولكن من غير الطبيعي تقييم ما جرى في ذلك اليوم من دون المقدمات التي سبقته والجرائم التي تلته، ولا يمكن مناقشة معضلة «حماس» باعتبارها قدمت ذرائع لإسرائيل لتقوم بقتل وتهجير الفلسطينيين، كما قال الرئيس محمود عباس؛ لأن إسرائيل لا تحتاج أولاً لذرائع لتقوم بعمليات القتل والتهجير، كما أنها ثانياً لم تعطِ مؤشراً واحداً على أنها احتاجت لذرائع لتقوم بالعدوان على المناطق التي سيطرت عليها السلطة الفلسطينية، فلم يكن الوضع أفضل كثيراً في الضفة الغربية عن قطاع غزة؛ بل إن إسرائيل قضت على حل الدولتين بمضاعفة أعداد المستوطنات والمستوطنين، حتى صار السير بين بلدات وقرى الضفة الغربية معاناه يومية لأي مواطن فلسطيني، يتعرض فيه لمختلف صور التنكيل التي تصل أحياناً للقتل؛ سواء برصاص الجنود أو بغارات الطائرات.
إن تصوير الأمر بأن النكبات التي أصابت الشعب الفلسطيني جاءت بسبب عملية 7 أكتوبر فيه مغالطة فادحة؛ لأن معضلة «حماس» يجب أن تناقش بعيداً عن حق كل فصائل المقاومة المسلحة في رفع السلاح في وجه قوة الاحتلال، إنما هل تمتلك «حماس» غطاءً سياسياً يجعل توقيت الفعل المسلح يصب في صالح القضية الفلسطينية؟ وهل كل جوانب عملية 7 أكتوبر صحيحة، وبخاصة استهداف المدنيين؟ وليس أن عملية 7 أكتوبر هي التي حوَّلت إسرائيل من حمل وديع إلى قاتل شرس.
من الواضح أن «حماس» لم تحسب بشكل دقيق تداعيات عملية 7 أكتوبر، وقتل نحو 1200 إسرائيلي، بعضهم مدنيون، وعلى الأرجح لم تتوقع أن يكون رد الفعل الإسرائيلي بهذه الدرجة من الوحشية والعنف، وأن إنهاء وجودها في قطاع غزة سيكون الشرط الأساس لوقف العدوان.
معضلة «حماس» أنها لا تمتلك «جهازاً سياسياً» له علاقة بالعالم والدنيا، كما أن جناحها العسكري يتصرف تقريباً بشكل شبه منفصل عن الجناح السياسي، وهي حركة جناحاها العسكري والسياسي مصنفان بأنهما إرهابيان، بحيث لا يستطيعان التفاوض مع أعدائهما أو مع مخالفيهما في التوجه من دون وسطاء، كما يحرص كل المتضامنين مع الشعب الفلسطيني في كل الدول الغربية على ألا يكون لهم أدنى علاقة بالحركة، ويتبرأون كلما جاءتهم الفرصة من مشروعها السياسي، وهو على عكس ما جرى مع كل القادة السياسيين في تنظيمات المقاومة المسلحة، في مختلف تجارب التحرر الوطني الذين شكلوا غطاءً سياسياً دولياً لتنظيماتهم المسلحة، مثل «المؤتمر الوطني» في جنوب أفريقيا الذي خاض النضال المسلح والسياسي حتى التحرر والقضاء على نظام الفصل العنصري، والأمر نفسه بالنسبة لـ«جبهة التحرير الوطني» الجزائرية التي استخدمت العنف، وصنَّفتها فرنسا في البداية بأنها جماعة إرهابية، ولكنها امتلكت «جهازاً سياسياً» قاد مظاهرات في أوروبا، وبخاصة في فرنسا البلد المحتل، وامتلك شرعية أن يفاوض الاحتلال حتى نالت الجزائر استقلالها.
والسؤال: كيف قامت «حماس» بعملية بهذا الحجم خططت لها تخطيطاً علمياً دقيقاً، ونجحت في إخفائها عن إسرائيل؛ بل حققت واحدة من خطط الخداع الاستراتيجي التي قد يأتي يوم وتُدرَّس في المعاهد العسكرية، ومع ذلك لم تحسب حسابات «الربح السياسي»؟ وهل هذه العملية التي ترتب عليها سقوط كل هذا العدد من الضحايا، ستكون في صالح القضية، وأيضاً في صالح الحركة؟
في كل تجارب التحرر الوطني، التنظيم المسلح الذي قاد المقاومة وصنَّفته قوى الاحتلال بالإرهابي هو الذي جلس على مائدة المفاوضات، وقاد حركة التحرر والاستقلال، وهو غير متاح بالنسبة لـ«حماس».
الحركة يفترض أنها تعلم جيداً قبل 7 أكتوبر أنها حركة إشكالية داخل محيطها الفلسطيني، فهي طرف مباشر ومسؤول عن الانقسام الحالي، وأيضاً داخل محيطها العربي؛ لأنها غير مقبولة من معظم الدول العربية، وعلى المستوى الدولي هي «تنظيم إرهابي» لا يمتلك أدوات قوة أو إقناع لكي يغير هذا التصنيف.
لن تتوقف الحرب قبل أن يتفاهم الجميع -بما فيهم السلطة الفلسطينية- على ألا تكون «حماس» حاضرة في اليوم التالي. والقضية الأساسية ليست «حماس»، إنما في فقدان الجانب الفلسطيني ورقة التنظيم العسكري القوي في أي مفاوضات أو مشاريع تسوية، وهو بلا شك سيضعف من قوة المفاوض الفلسطيني الذي يحتاج لقوة التنظيم المسلح وحضور التنظيم السياسي.
لم يعد أمام «حماس» إلا أن تختبئ خلف شخصيات فلسطينية وطنية، وقادة محليين أقرب لتيار «جسر» يضم مهنيين وسياسيين، يشكلون همزة وصل بينها وبين «منظمة التحرير» وبين من سيمثل غزة في أي مفاوضات قادمة، وهؤلاء يمكن أن يساهموا في إعادة بناء «منظمة التحرير الفلسطينية» على أسس جديدة، لتكون العودة لغزة خطوة على طريق بناء الدولة الفلسطينية.