بقلم:عمرو الشوبكي
من الصعب أن نجد في التاريخ الحديث حربًا قامت أساسًا بغرض قتل المدنيين، أو أن تقوم استراتيجيتها السياسية والعسكرية على استهدافهم بشكل متعمد إلا في حالة إسرائيل، التي اعتمدت سياسة التطهير العرقى والتهجير وقتل المدنيين منذ قيامها عام 1948 وحتى الآن.
والواضح أن استهداف المدنيين في غزة ليس مجرد سياسات عدوانية معتادة من دولة الاحتلال، إنما أُضيف إليها هدف استراتيجى إسرائيلى وقوده قتل المدنيين، فالدولة العبرية ترغب في تهجير الفلسطينيين من شمال غزة إلى جنوبها، ثم ستحاول تكرارها من جنوب غزة إلى سيناء، ولو استطاعت أن تفعل نفس الأمر في الضفة الغربية فستفعله.
إن مسألة التطهير العرقى والتهجير خيار استراتيجى إسرائيلى من هذه الحرب، فهى ليست حربًا بين جيشين نظاميين يُقتل فيها عرَضًا المدنيون كما يحدث تقريبًا في كل الحروب، إنما هي حرب بغرض قتل المدنيين، واستهداف المستشفيات ومراكز الإيواء التابعة للأمم المتحدة ومراكز منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
هذا النوع من الحروب أو الجرائم أدى إلى استشهاد حوالى ١٠ آلاف مدنى فلسطينى، بينهم ٤ آلاف طفل، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ الحروب على هذه المساحة الجغرافية، ووسط عدد سكان لا يتجاوز 2 مليون و400 ألف نسمة.
وإذا أخذنا الحرب الدائرة الآن بين روسيا وأوكرانيا، فسنجد أن أعداد المدنيين الذين قُتلوا أكثر بقليل من أعداد المدنيين الفلسطينيين، مع ملاحظة الفارق الهائل في عدد السكان، وأيضًا استمرار الحرب الروسية الأوكرانية لأكثر من عامين، في حين قامت إسرائيل بقتل 10 آلاف فلسطينى مدنى، في أقل من شهر، وهو رقم لم تسبقها فيه أي دولة أخرى أو جيش احتلال في العصور الحديثة.
المؤكد أن المشروع الاستيطانى الإسرائيلى قائم على مسألة «الإحلال» منذ نكبة 48 وحتى الآن، أي العمل على تهجير السكان الأصليين من الفلسطينيين وإحلالهم بسكان يهود من كل بقاع الدنيا، واستمر هذا المشروع حتى الآن، وأخذ في بعض الفترات شكلًا سلميًّا ودعائيًّا (دينيًّا وثقافيًّا) بسعى إسرائيل إلى أن تصبح «نموذجًا» لكل يهود العالم، وتُغرى بعضهم للقدوم إليها والعيش فيها، حتى لو كانوا يحملون جنسيات بلدان أخرى، ولم تقبل بأن تعطى هذا الحق للفلسطينيين الذين يعيشون في مخيمات خارج فلسطين ورفضت في كل مفاوضات السلام أن تعطى «حق العودة» لأى فلسطينى يعيش خارج أرضه التاريخية.
يقينًا هدف إسرائيل من حرب غزة ليس فقط أو أساسًا هزيمة مقاتلى حماس، إنما تهجير المدنيين من غزة، وتقسيم المدينة إلى 3 أو 4 أقسام، ولتحقيق هذا الهدف، تحول قتل المدنيين إلى هدف حربى، وأصبح الصمت الدولى على هذه الجريمة لا يرجع فقط إلى سياسة الكيل بمكيالين المعتادة، إنما أيضًا يعنى المشاركة والدعم للهدف الإسرائيلى في التهجير.