بقلم:عمرو الشوبكي
رفع حزب الله شعار وحدة ساحات المقاومة، وتصور الكثيرون أن اندلاع المواجهة فى فلسطين سيعنى تلقائيًا وفق هذا الشعار اندلاع الحرب فى لبنان، وهو ما لم يحدث رغم أن اعتداءات جيش الاحتلال على أهالى غزة مستمرة منذ شهرين.
صحيح أنه دخل فى مواجهة محسوبة مع القوات الإسرائيلية ونجح فى أن يفرض بقاء جانب كبير منها عند الحدود اللبنانية، وأسقط منهم عشرات القتلى والمصابين، ودمر العديد من الآليات العسكرية فى مقابل سقوط ما يقرب من 100 شهيد من عناصر حزب الله.
والحقيقة أن شعار وحدة ساحات المقاومة ينطلق من فكرة عقائدية تتصور أن خيارات أحزاب المقاومة فى أى مكان وفى أى سياق وفى أى توقيت واحدة، نظرًا لوجود الرابط الأيديولوجى الواحد الذى يجمعها وهو مقاومة إسرائيل، وثبت فى الواقع العملى أن الرابطة العقائدية لا تكفى بمفردها لكى يقرر الجميع فى نفس التوقيت محاربة إسرائيل، إنما هناك حسابات داخلية وإقليمية تجعل هذا الخيار ليس واحدًا. والمعروف أن حزب الله دخل فى مواجهة مسلحة ضد إسرائيل فى 2006 أثارت جدلًا واسعًا، صحيح أنها تركت صور صمود فى مقاومة الجبروت الإسرائيلى إلا أنها أيضًا خلفت مآسى كبرى على لبنان واللبنانيين جعلت من شعار وحدة الساحات غير قابل للتطبيق فى الواقع بعد أن أصبح معظم اللبنانيين حاليًا لا يرغبون فى الدخول فى مواجهة شاملة مع إسرائيل.
إن شعار وحدة الساحات يعنى عمليًا أن الحسابات الوحيدة فى مواجهة إسرائيل هى الحسابات العقائدية والأيديولوجية التى تجمع الجميع من حزب الله حتى حركة حماس، ومن حركة الجهاد حتى جماعة أنصار الله الحوثية، وثبت فى الواقع العملى أن هناك فروقات كبيرة فى الساحات ولا يمكن التسليم بأنها واحدة.
لا يمكن لأى تنظيم عقائدى مهما كان لونه أن ينفصل عن حاضنته الشعبية وسياقة المجتمعى وإلا تحول إلى حالة «داعشية» متراجعة من كل المناطق التى سيطرت عليها، ولا يجب الاستعلاء على الواقع المجتمعى باسم المقاومة أو العقيدة أو الوطنية أو أى شعار آخر.
إن خيار المقاومة المسلحة فى الأراضى الفلسطينية المحتلة خيار مشروع طالما ظل هناك احتلال كما فعل حزب الله فى لبنان حين قاد معركة المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلى للجنوب عام 2000، وانتصر وكان محل إجماع محلى وعربى.
أما البلاد غير المحتلة أراضيها فإن تضامنها ودعمها للشعب الفلسطينى لا يعنى بالضرورة الانخراط فى مواجهة مسلحة معها إنما تكتفى بالدعم المادى والمعنوى وتواجه دولة الاحتلال قانونيًا وسياسيًا فى كل مكان فى العالم، وهو أمر مازال غير متحقق.
اختلاف الساحات والحسابات ليس نقيصة، ولا يجب فرض فكرة عقائدية على واقع لا يتقبلها أو غير مستعد لدفع ثمنها إنما يجب الإقرار بهذا الاختلاف واحترام مؤشراته.