بقلم:عمرو الشوبكي
يسمع الناس كثيرًا عن أن إيران فيها تياران هما الإصلاحيون والمحافظون، وأن مَن فاز فى الانتخابات الأخيرة هو المرشح الإصلاحى «مسعود بزشكيان»، متفوقًا على منافسه المحافظ سعيد جليلى، إذ حصل على نحو ٥٥٪ من أصوات الناخبين، فى حين بلغت نسبة المشاركة ٤٩.٨٪، بزيادة عن نسبة المشاركة فى الجولة الأولى، التى لم تتجاوز ٤٠٪ من أصوات الناخبين.
ويُعتبر الرئيس الجديد أحد أبرز قيادات التيار الإصلاحى، وله تاريخ سياسى حافل، وشغل منصب وزير الصحة فى حكومة الرئيس الإصلاحى الأبرز محمد خاتمى، وكان نائبًا فى مجلس الشورى الإيرانى لخمس دورات، وشغل مرة منصب نائب رئيس البرلمان.
وكانت الجبهة الإصلاحية قد سمّت أكثر من مرشح لانتخابات الرئاسة، وهم عباس أخوندى ومسعود بزشكيان وإسحاق جهانجيرى، لكن مجلس صيانة الدستور استبعد الاثنين الآخرين، مبقيًا على بزشكيان فقط، وهى مسألة أثارت تكهنات وتساؤلات كثيرة، فقبول ترشح إصلاحى واحد من قِبَل مجلس يخضع لسلطات المرشد فى مقابل قبول ترشح أكثر من مرشح محافظ يعنى أن هناك ضوءًا أخضر من قِبَل المرشد يقول إنه يقبل وصول هذا المرشح الإصلاحى إلى الرئاسة.
صحيح أن الانتخابات الإيرانية لا تعرف عادة تزويرًا أو تلاعبًا، ولكنها «تجهز» قبل إجرائها من قِبَل مجلس صيانة الدستور، بحيث يكون كل المتنافسين متوافقين مع المرشد.
والسؤال الذى يطرحه البعض فى السياق الحالى يقول: ماذا يعنى فوز مرشح إصلاحى مثل «بزشكيان» فى بلد تهيمن على مؤسساته القوى المحافظة المرتبطة برأس السلطة الحقيقى، أى المرشد خامنئى؟.
الحقيقة أن رئيس الجمهورية فى إيران يمكنه أن يغير فى تفاصيل السياسات، ولكنه لا يستطيع أن يغير جذريًّا جوهرها لأن مَن يضعها هو مرشد الجمهورية، المرتبط بنظرية ولاية الفقيه، التى وضعها الإمام الخمينى، فهو قائد الجيش، ورئيس السلطة القضائية، والقائد الأعلى للحرس الثورى وغيرها.
إن وجود مرشد للثورة يستمد شرعيته من مؤهلاته الدينية، حتى لو كان منتخبًا أيضًا من رجال الدين وامتلاكه صلاحيات تفوق صلاحيات رئيس الجمهورية يجعل هناك صعوبة أن يستمر الرئيس فى إدارة شؤون البلاد إلا كما قال الرئيس الجديد «بالعمل تحت رعاية المرشد».
نجاح بزشكيان فى الحصول على موافقة مجلس صيانة الدستور بالترشح فى الانتخابات ليصبح هو المرشح الإصلاحى الوحيد، وينال دعم معظم رموز التيار الإصلاحى من الرئيس خاتمى حتى وزير الخارجية الأسبق جواد ظريف، ثم يفوز فى الانتخابات، يعنى أن مرشد الجمهورية يرغب فى أن يكون رئيس الجمهورية فى هذا التوقيت إصلاحيًّا يخفف من حدة التوتر مع القوى الدولية، أو كما قال هو أن يده ممدودة للصداقة مع كل دول العالم وتجنب التصعيد مع إسرائيل والعودة إلى مفاوضات الملف النووى الإيرانى، وهى كلها مساحات يمكن أن يتحرك فيها الرئيس الإصلاحى الجديد.