بقلم:عمرو الشوبكي
السؤال الذى يطرح نفسه فى بلد مثل السودان: ماذا لو توقفت الحرب إما بسبب فشل الطرفين فى تحقيق انتصار حاسم أو بسبب انتصار جزئى لطرف، (وهو الجيش)، لن يؤدى إلى شطب كامل للطرف الآخر (الدعم السريع) من معادلة السياسة والوجود؟؟.
الحقيقة أن توقف الحرب سيعنى تلقائيًّا العودة إلى مائدة التفاوض، ولكن يجب أن تضمن تلك العودة شروطًا جديدة أبرزها تجاوز الخبرة التى سادت طوال المرحلة الانتقالية، والتى قامت على اقتسام السلطة بين أطراف متناقضة سواء كانت قوى سياسية مدنية أو عسكرية، وأنتجت مرحلة هشّة قائمة على المواءمات، التى تُعمق الخلافات فى الواقع وتُخفيها فى العلن، حتى انفجرت فى وجه الجميع بالمواجهات الدموية بين الجيش والدعم السريع.
من المهم فى تجارب الانقسام السياسى والعسكرى فى العالم العربى، وتحديدًا فى ليبيا والسودان، البحث عن نموذج أو إطار (Frame) جديد لا يعيد إنتاج نموذج تقاسم السلطة الذى عرفته السودان على مدار 4 سنوات، إنما يجب أن يعطى ثقته لطرف أو مشروع سياسى يكون محل توافق بين معظم الأطراف، ويحول المجتمع الدولى جهوده من التركيز على خلق سلطة ضعيفة مفتتة للسيطرة عليها أو خوفًا من إعادة إنتاج النظام الديكتاتورى القديم إلى الرهان على سلطة واحدة وعلى نظام رئاسى ديمقراطى يمارس عليه المجتمع الدولى ضغوطًا حقيقية حتى لا يعيد إنتاج النظام القديم الذى يخشاه الكثيرون.
يجب ألا تستمر الضغوط الدولية لصالح بناء نظام فاشل، فلم ينجح نموذج «اقتسام السلطة» فى السودان، ولم يحدث أى توافق فى الواقع وليس على الورق، وأنتج حربًا بدلًا من انتقال ديمقراطى، كما أنه مسؤول عن دفع الكثيرين إلى البحث عن المخلص المستبد، أو الذهاب إلى الاقتتال الأهلى والفوضى.
كل الحوارات والمؤتمرات والمبعوثين الأمميين واجتماعات الأمم المتحدة ومجلس الأمن وتصريحات زعماء الدول الكبرى من أجل إحلال السلام فى السودان يجب أن تضع إطارًا جديدًا مختلفًا عن الذى حكم تحركاتهم طوال الفترة الماضية، والبداية ستكون بالرهان كما فى كل الدنيا على خلق سلطة واحدة يكون من شروط وجودها إعطاء مساحات للمعارضة وبناء دولة قانون وعدم العودة إلى الاستبداد، وهى كلها أمور يمكن الوصول إليها بمراحل متدرجة من خلال سلطة واحدة، بدلًا من القفز فى الهواء عبر نموذج اقتسام السلطة بين الجميع، الذى لم ينتج استقرارًا ولا ديمقراطية.
ستتوقف المواجهات المسلحة فى السودان آجلًا أم عاجلًا، والمطلوب أن يتوافق الجميع على مرحلة «غير انتقالية» يقودها رجل/ مشروع يعبر عن جانب من المشروعات السياسية لمعظم الأطراف المدنية والعسكرية، ويحقق لهم جانبًا من طموحاتهم، وينال دعم المجتمع الدولى والقوى الإقليمية، أما إعادة إنتاج الخبرة السابقة من فشل فلن تحل مشاكل السودان، إنما ستفاقمها.