بقلم:عمرو الشوبكي
ستبقى المشكلة الأساسية التى تواجه السودان منذ قيام ثورته فى ديسمبر 2018 حتى اندلاع الاقتتال بين الجيش والدعم السريع العام الماضى هى عدم التوافق على بديل لنظام البشير الذى سقط فى 2019.
وقد عرف السودان منذ قيام ثورته انقسامًا بين الثوريين والإصلاحيين، وبين قوى مرتبطة بالجيش وأخرى بالدعم السريع، وهو ما أدى مع الوقت إلى إهدار أهم قيمة عرفتها التجربة السودانية فى بدايتها، وهى قيمة التفاوض والخيارات الإصلاحية بين قوى الحرية والتغيير التى قادت الانتفاضة السودانية، وبين المجلس العسكرى الحاكم، ووصلت لحلول وسط رغم رفض بعض القوى الثورية وقوى النظام القديم هذه الحلول.
المؤكد أن بناء منظومة سياسية قائمة على القانون والعدالة الانتقالية وليس الانتقام الثورى أو السياسى الذى تحكمه الأهواء وتصفية الحسابات، هو ضمانه حقيقية لنجاح أى تجربة تغيير معاصرة.
والمؤكد أن الحرب بين الجيش والدعم السريع أسقطت الرسائل الأولى التى قدمها السودان فى أعقاب ثورته، وتمثلت فى الحوار والتفاوض والشراكة بين الأطياف والمكونات المختلفة، ومع ذلك سيبقى من المؤكد أن الخروج من هذا الاقتتال سيكون أيضًا عبر التفاوض والحلول السياسية.
إن سيناريوهات المشروع البديل فى بلد مثل السودان قد تتمثل فى وجود «رجل جسر» بين النظامين القديم والجديد أو بين الجيش والدعم السريع، أو فى قدرة القوى السياسية المدنية على تقديم بديل حقيقى للنظام القائم ووقف الاقتتال المسلح، وبالتالى عليها أن تؤسس لتجربه انتقال ديمقراطى ودولة قانون بالاعتماد أساسًا على مشروعها وكوادرها السياسية.
إن شعار التغيير الجذرى للنظام، ورفض كل وجوه النظام والأحزاب القديمة، ثم بعد ذلك رفض كل مؤسسات النظام القديم المدنية والعسكرية والاحتكام فقط للشارع كوسيلة للضغط على السلطة القائمة أمر فيه مخاطرة كبيرة على أى تجربة انتقال ديمقراطى، لأن ضغط الشارع وسيلة وليس هدفًا، والهدف هو بناء بديل سياسى إصلاحى للنظام القديم، ولو ظل هذا البديل مجرد صوت احتجاجى وتظاهرات يومية فإن الوضع سيزداد هشاشة وضعفًا وستتعرض البلاد لمخاطر الفوضى والاقتتال الأهلى كما جرى عمليًا.
مازال أمام تجربة السودان فرصة لاستعادة المسار السياسى السلمى بوقف الاقتتال المسلح أولًا عبر تفاهم مدنى/ عسكرى، وقبول القوى الثورية التفاوض مع الجيش والقوى المحافظة والتقليدية باعتبارها طرفًا فى المعادلة السياسية القائمة وعدم إقصائها بآليات ثورية غير قانونية. وثانيًا العمل على بناء مؤسسات سياسية وحزبية تتوازى مع ضغط الشارع، وثالثًا وجود قناعة بأن بناء دولة القانون والانتقال الديمقراطى لن يتم بإقصاء كل رموز النظام القديم إنما بتغيير المنظومة القديمة التى أفرزتهم، وهو تحدٍّ يتم بشكل تدريجى ويحتاج إلى إصلاح مؤسسى لأجهزة الدولة وبناء أحزاب ومنظمات مجتمع مدنى قادرة على ملء الفراغ الذى ترتب على سقوط أحزاب النظام القديم.