بقلم:عمرو الشوبكي
لا يمر يوم إلا وتستهدف الفصائل المسلحة في العراق مواقع عسكرية أمريكية، حتى وصل الأمر إلى استهدافها محيط السفارة الأمريكية بهجوم صاروخى، في المنطقة الخضراء شديدة التحصين، كما عادت نفس هذه الفصائل واستهدفت بواسطة الطائرات المسيّرة قاعدة «عين الأسد» العسكرية الجوية في محافظة الأنبار غربى العراق، والتى اعتبرتها «قاعدة للاحتلال الأمريكى».
وقد تكرر هذا الاستهداف للمواقع والمصالح الأمريكية في العراق منذ أن اندلعت الحرب في غزة، واعتبرت هذه الفصائل أنها بذلك تعبر عن رفضها للسياسات الأمريكية الداعمة للعدوان الإسرائيلى. صحيح أن هذه الهجمات حرصت ألا تقتل أمريكيين، كما أدانتها الحكومة العراقية ووصفتها بأنها «أعمال إرهابية»، وقالت إنها ألقت القبض على بعض العناصر التي شاركت في هذه الهجمات.
والحقيقة من الصعب وفق مراقبين عراقيين وأجانب أن تستطيع الحكومة العراقية أن تذهب بعيدا في مواجهة هذه الفصائل؛ لأن لديها حاضنة شعبية متداخلة مع تلك التي تدعم الحكومة الحالية، كما أنها تمتلك كيانات قوية موازية لمؤسسات الدولة ويشارك كثير منها في صناعة القرار الحكومى.
ولعل السؤال الذي يطرحه كثيرون، وهم يشاهدون ما يجرى في العراق، يتمثل في مفارقة كيف أن هذا النموذج وضع بذرته الأولى الغزو الأمريكى للعراق في 2003، متصورا أنه سيصنع نموذجا تابعا أو- على الأقل- حليفا للولايات المتحدة، وثبت عمليا أنه ليس كذلك، وأنه منقسم بين نخبة حاكمة ترفض التبعية وترغب في علاقة متوازنة بين أمريكا وإيران، وأخرى مسلحة في الشارع حليفة لإيران ومعادية لأمريكا.
والحقيقة أن الولايات المتحدة عقب احتلالها العراق تبنت هدف «اجتثاث حزب البعث» كعنوان لاحتلالها العراق، كما تفعل إسرائيل حاليا في غزة برفعها شعار«اجتثاث حماس»، وكانت النتيجة أن تحول مشروع اجتثاث البعث إلى مشروع لنشر العنف والتطرف والفوضى. لقد خلف هذا المشروع الأمريكى في العراق إرهاب القاعدة وداعش وميليشيات شيعية متطرفة، ومشروع اجتثاث المقاومة والسيطرة الأمنية الإسرائيلية على قطاع غزة سيكون أيضا مصيره الفشل، وسيعيد العنف بصورة أكثر قسوة وعشوائية إلى كل الأراضى الفلسطينية وداخل إسرائيل.
والحقيقة أن هذا الفشل لأكبر قوة عسكرية واقتصادية في العالم في اجتثاث أعدائها الذين حاربتهم في العراق، وجاءت لتنتقم منهم بعد اعتداءات ١١ سبتمبر، لم يلفت نظر إسرائيل التي تحاول تكرار تجربة الاجتثاث مع حركة حماس في غزة.
فكرة اجتثاث حركة مقاومة- مهما كانت درجة الخلاف مع توجهاتها- أمر مستحيل، لأن سر بقائها وإعادة إنتاجها في اسم وشكل جديد هو وجود الاحتلال نفسه، وبدلا من أن تقوم أمريكا بالضغط على إسرائيل لإنهاء الاحتلال تقوم بتشجيعها على تكرار تجربتها الفاشلة في العراق، دون أن تدرى أنها تدفع حماس لأن تصبح أكثر تطرفا حتى لو لم تربح معركة غزة وحملت اسما جديدا.