بقلم:عمرو الشوبكي
فى الولايات المتحدة هناك دائما تيار ليبرالى يبحث عن الأسباب التى أدت للتطرف أو الانحراف والجريمة، وهو عادة ما يمثل جوهر أطروحة الحزب الديمقراطى الأمريكى الذى يبحث عن الأسباب التى أدت إلى التطرف، ويحاول تفكيكها ومواجهتها بأدوات سياسية واجتماعية قبل الأدوات الأمنية.
ولذا سنجد عادة ما يدافع الديمقراطيون فى أمريكا عن حقوق الأقليات ويعتبرون الأمريكيين من أصل إفريقى ضحايا واقع اجتماعى ميز ضدهم لسنوات، ودفع بعضهم نحو الجريمة، وأن الحل ليس أساسا فى تغليظ العقوبات بحق المنحرفين منهم كما يرى الجمهوريون، إنما بالأساس حل المشاكل التى دفعتهم للانحراف أو التطرف.
ويفترض أن السياسات الاحتوائية أو الإدماجية فى داخل أمريكا وخارجها تأتى غالبا ضمن أجندة الحزب الديمقراطى الحاكم حاليا، وهى متسقة مع طريقة التفكير السائدة داخل الحزب والتى تقول «نعم نستطيع» أن نقبل المهاجرين ونحول المتطرفين إلى معتدلين، والأفكار الثورية إلى إصلاحية عبر احتواء الجميع فى منظومة قانونية عادلة يضمنها النموذج الأمريكى القادر على استيعابهم وجعلهم مواطنين أمريكيين «صالحين».
وقد تكون علاقة الرئيس الديمقراطى الأسبق باراك أوباما مع إيران نموذجا لافتا لهذه السياسة التى أسفرت عن التوقيع على اتفاق (خمسة + 1) فى 2015، وذلك بالعمل على تعديل توجهات إيران عبر تبنى سياسات لينة واحتوائية لتنقلها من دولة ممانعة خارج المنظومة العالمية، إلى دولة ممانعة من داخلها، بما يعنى وفق التصور السائد وقتها فتح الباب أمام المجتمع الدولى للتأثير فى النظام الإيرانى من خلال التفاعل السياسى والاقتصادى والثقافى ودفعه عمليا نحو الاعتدال.
إن فكرة الدمج والاحتواء وإعادة التأهيل، والضغوط أو المغريات السياسية، من أجل تغيير مواقف وسلوك كثير من الدول والأعراق، وتيارات كثيرة دمجت فى النظام السياسى الأمريكى عبر تفاعلها مع قواعد وقوانين هذا النظام، فاعتبرت أمريكا وخاصة التيار الليبرالى فى الحزب الديمقراطى أنهم بقدر ما يؤثرون فى النظام القائم ويدفعونه نحو الانفتاح لكى يقبل الفاعلون الجدد سواء كانوا دولا أو تنظيمات متشددة أو جماعات عرقية، فإن هذا النظام سيفرض عليهم أيضا ضرورة الاعتدال والتراجع عن الأفكار المتطرفة والالتزام بالقوانين والشرعية.
ولم تقتصر سياسة الاحتواء الأمريكية على قوى إقليمية فى الخارج أو قوى سياسية فى الداخل، إنما امتدت لتشمل أيضا قوة عظمى مثل الصين التى التقى الرئيس الأمريكى الديمقراطى رئيسها منذ عده أيام بعد توتر فى العلاقات بين البلدين.
إن هذا التوجه الاحتوائى الأمريكى تجاه كثير من الدول والقوى والجماعات المتشددة بغرض نقلها نحو الاعتدال، فعلت الإدارة الديمقراطية عكسه فى فلسطين ومع كل فصائل المقاومة المدنية والمسلحة، لأن الخيار الاحتوائى تجاه أى حركة مقاومة على الساحة الفلسطينية يعنى ببساطة إنهاء الاحتلال واستحقاقات ستدفعها إسرائيل، وهذا ما لم تفعله أمريكا لحساب حليفتها العبرية «المقدسة».