بقلم - عمرو الشوبكي
مخطئ من يتصور أن عملية ٧ أكتوبر هبطت من السماء على إسرائيل، فى حين أنها، كما قال أمين عام الأمم المتحدة، نتاج سياق من القهر والظلم والتنكيل بالشعب الفلسطينى أفرز هذه العملية.
والحقيقة أن فلسطين ربما تكون البلد الوحيد الذى عجزت فيه المقاومة الشعبية والمسلحة أن تزيل الاحتلال وبقى جاِثما على صدور الناس منذ قيام إسرائيل رغم التوقيع على اتفاق أوسلو فى 1993.
لقد أخذت المقاومة صور انتفاضات شعبية فى 1987 و2000، فانتفاضة الحجارة التى جاءت فى أعقاب عملية دهس قام بها سائق شاحنة إسرائيلى يوم 8 ديسمبر 1987 بحق مجموعة من العمال الفلسطينيين العزل فى مخيم جباليا شمال قطاع غزة، لم يدفع أحدا فى العالم الغربى أن يصف السائق الإسرائيلى بأنه إرهابى مثلما يفعل مع المتطرفين من العالم العربى.
وقد كان هذا الاعتداء هو الشرارة التى فجرت «انتفاضة الحجارة»؛ حيث تظاهر الفلسطينيون فى مختلف المدن الفلسطينية وواجهتهم قوات الاحتلال بالأسلحة النارية والدبابات.
ويمكن القول إن انتفاضة الحجارة الملهمة خلقت مسار تسوية جديدة تمثل فى اتفاق أوسلو فى 1993، وبمقتضاه عادت منظمة التحرير إلى جزء من الأراضى الفلسطينية وأسست السلطة الوطنية، وحصلت على حكم ذاتى كخطوة على طريق بناء دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس.
ويمكن القول إنه بسبب السياسات الإسرائيلية التى قادها رئيس الحكومة الراحل أريل شارون واستكملها رئيس الحكومة الحالى بنيامين نتنياهو، تبخرت أحلام السلام وحل الدولتين، فشهدت الضفة الغربية تضاعفا فى أعداد المستوطنين 7 مرات على مدار 20 عاما، وأصبح حوالى 40% من أراضيها يسيطر عليها إسرائيل عبر بناء عشرات المستوطنات التى قضت تقريبا على حل الدولتين.
وعقب انهيار مسار أوسلو انتقلت المقاومة من الكفاح السلمى الشعبى إلى كفاح هجين بين المقاومة السلمية والمسلحة فى انتفاضة الأقصى فى عام ٢٠٠٠ والتى قمعتها إسرائيل بشدة، وبعدها تزايدت المواجهات المسلحة فى الضفة وغزة، حيث شهدت الأخيرة مواجهة عنيفة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل فى 2008، كما شهدت فى صيف 2014 خمسين يوما من المواجهات المسلحة قادتها حركة حماس، ثم شهد قطاع غزة مواجهات مسلحة أخرى بين حركة الجهاد وإسرائيل فى 2019 و2022، ثم فى شهر مايو من العام الماضى.
وجاءت عملية غزة الأخيرة التى نفذتها حركة حماس لتحسم تبنى المقاومة للخيار المسلح بكل تبعاته على الشعب الفلسطينى، وأصبحت المشكلة فى الحقيقة ليست فقط أو أساسا مع فصائل المقاومة وعلى رأسها حماس، إنما مع شعب بأكمله يرزح تحت سطوة احتلال استيطانى مدعوم من القوى الكبرى، وأن هذا الشعب جرب الوسائل المدنية والمسلحة ولم يستطع حتى اللحظة انتزاع استقلاله، وهو أمر قادم لا محالة مهما طال أو قصر الزمن أو تغيرت الوسيلة.