الإجرامي قبل الإرهابي

الإجرامي قبل الإرهابي

الإجرامي قبل الإرهابي

 عمان اليوم -

الإجرامي قبل الإرهابي

بقلم : عمرو الشوبكي

أقدم محمد الهلالى، الفرنسى من أصل تونسى، على عمل إجرامى جديد، ابتكر فيه صورة إرهابية فريدة، حين قاد شاحنة نقل ضخمة ليصدم مدنيين أبرياء فى مدينة نيس الفرنسية، كانوا يحتفلون بالعيد الوطنى (ذكرى الثورة الفرنسية فى 14 يوليو)، فقتل 84 شخصا من جنسيات وأديان مختلفة، بينهم 10 أطفال، وأصاب 202 بعضهم فى حالة خطرة.

والمؤكد أن مشهد القتل المجانى صدم أى «بنى آدم» طبيعى، إنسانيا وأخلاقيا وسياسيا، وأكد ما سبق أن تحدثنا عنه من قبل عن التحول الذى أصاب عمليات الإرهاب وطبيعة من يقومون بها الآن فى أوروبا، مقارنة بما كان عليه الحال مع التنظيمات الجهادية الكبرى (الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد فى مصر) فى نهايات القرن الماضى، وأيضا مقارنة بالرعيل الأول من مؤسسى التنظيمات التكفيرية (القاعدة وداعش) حين «تفقه» هؤلاء فى الاتجاه الخاطئ وقدموا تفسيرات منحرفة للنص الدينى الإسلامى تبرر العنف والإرهاب.

التغير الجديد الذى حدث مع الطبعة الثالثة من الإرهابيين (كثير منهم أوروبيون) هو تحولهم بصورة شبه كاملة إلى مجرمين وقتلة لا علاقة لهم بأى دين ولا حتى بالتفسيرات المنحرفة لصحيح الدين، فهم يتذكرون أنهم مسلمون لحظة قيامهم بعملهم الإرهابى، فيرددون شعارات داعش ويحفظون جملتين إسلاميتين وينتهى الأمر عند هذا الحد.

والحقيقة أن بلدا مثل فرنسا شهد فى 18 شهرا 5 عمليات إرهابية من هذه النوعية (وهو يطرح سؤالا الآن لماذا فرنسا؟) صحيح أن بعض من قاموا بهذه العمليات تفاعلوا مع شعارات داعش لفترة دون أن يتحولوا إلى متطرفين إسلاميين غاصوا فى نصوص دينية لسنوات حتى أصبحوا مهيئين لممارسة العنف والإرهاب، إلا أنهم يظلون فى النهاية مسلمى الديانة حتى ولو لم يقرأوا كتابا واحدا فى الإسلام من أى اتجاه ومن أى مذهب.

الشاب الفرنسى من أصل تونسى ذو الواحد ثلاثين عاما ارتكب جريمته النكراء وهو يقود شاحنة كبرى متأثرا بعمليات السطو المسلح التى كانت تجرى فى أوروبا فى منتصف القرن الماضى، وكانت تستخدم هذه الشاحنات لكى تخفى بداخلها دراجات نارية تتيح للمجرم أن ينتقل من مكان إلى آخر دون أن يستخدم الشاحنة طول الوقت، أى أن محمد الهلالى استلهم نموذج عصابات السطو المسلح وليس إرهابيى داعش، وهو طبيعى فهو لم يشاهد يصلى مرة واحدة فى حياته، واعتاد شرب الكحوليات والمخدرات، ودائم الاعتداء على زوجته السابقة.

وقد وصف وزير الداخلية الفرنسية هذا الشاب بسطحية لافتة: «إنه تطرف بسرعة»، وكأنه اكتشاف عبقرى، لأن تطرفه السريع سيعنى عمليا أنه حدث لحظة قيادته للشاحنة، وهو تعبير يثير السخرية أكثر مما يؤخذ بجدية، لأن هذا الشاب قبل يوم من ارتكابه الجريمة لم يكن له أدنى علاقة بالدين ولو بتفسيراته المنحرفة.

تبقى المشكلة أن هؤلاء الناس يحملون أسماء مسلمة، وهم دون غيرهم يمارسون هذا النوع من القتل الأعمى والمجازر البشرية غير المسبوقة فى العصر الحديث، فمهما تكلمنا عن إرهاب التنظيمات اليسارية الثورية فى أوروبا وأمريكا الجنوبية فى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى، فلا يمكن أن يقارن بإرهاب الدواعش، سواء المنخرطون فى التنظيم فى سوريا والعراق، أو الذين شاهدوا علم التنظيم على صفحات التواصل الاجتماعى، فاعتبروه المخلص من كل إحباطاتهم.

سيظل خطر المجرمين الهواة كبيرا، وضحاياهم من الأبرياء كُثرا، ومواجهتهم أصعب، لأنهم يعيشون فى الظل، وحين يظهرون فى الضوء يكون من أجل تنفيذ عمل إجرامى يرتدى ثوب الإرهاب.

omantoday

GMT 10:33 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

إسرائيل و«حزب الله»... التدمير المتواصل

GMT 10:32 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

أقصى اليمين القادم

GMT 19:24 2024 الأحد ,19 أيار / مايو

شعار حماية المدنيين

GMT 10:07 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

الدعم المطلق

GMT 11:09 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

ما بعد الاجتياح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإجرامي قبل الإرهابي الإجرامي قبل الإرهابي



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 19:13 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 عمان اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 18:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 عمان اليوم - مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 19:30 2020 الخميس ,28 أيار / مايو

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 09:44 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعه 30 أكتوبر / تشرين الأول لبرج الجدي

GMT 23:57 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab