الغرب ضد الغرب

الغرب ضد الغرب

الغرب ضد الغرب

 عمان اليوم -

الغرب ضد الغرب

بقلم : عمرو الشوبكي

كشفت زيارة الرئيس الفرنسى فرانسوا أولاند إلى القاهرة، بداية هذا الأسبوع، جوانب من الخطاب الرسمى المصرى فى التعامل مع أوروبا والغرب، واستمع الكثيرون لرؤية الرئيس السيسى للديمقراطية وحقوق الإنسان واختلاف الواقع العربى والمصرى عن الغرب، ودعوته نظيره الفرنسى إلى قراءة الواقع المصرى بمنظور غير أوروبى، واعتبر فى النهاية أن حقوق الإنسان فى الغرب تختلف عن حقوق الإنسان فى مصر، نظرا «لأننا دولة وليدة»، وهناك تفاوت ثقافى واجتماعى واقتصادى بين البلدين.

والحقيقة أن مضمون الرسالة الرسمية المصرية يقوم على أننا نواجه تحديات وجودية يمكن أن تهدم الدولة، وأن هناك خطر الإرهاب والفوضى التى ضربت المنطقة، وعليه فإن موضوع الديمقراطية وحقوق الإنسان مؤجل حتى تستطيع مصر مواجهة هذه التحديات ودحرها.

والسؤال الكبير: لماذا يتقبل الغرب- أو على الأقل دول رئيسية فيه مثل فرنسا وغيرها- هذا الخطاب؟ وهل ذلك بسبب مصالحها الاقتصادية كما يحلو للكثيرين أن يردد فى مصر- «وهو فى جانب صحيح»- حيث أصبحت فرنسا فى عام واحد المصدر الرئيسى لتصدير السلاح إلى مصر، وبالتالى فإن الغرب أغمض عينيه عن انتهاكات كثيرة فى مجال حقوق الإنسان، اعترافا بخطاب رسمى مصرى يقول إننا بلد لن تطبق فيه الديمقراطية قبل 25 عاما، رغم مخالفة ذلك لرؤية الغرب للديمقراطية واعتباره فى العقود الثلاثة الأخيرة أن كل المجتمعات قابلة للتحول والانتقال الديمقراطى؟ وهل السكوت الغربى علامة رضا على الخطاب الرسمى المصرى لدوافع اقتصادية أم أن هناك أسبابا أخرى؟

الحقيقة أن السبب الرئيسى فى استمرار دعم أغلب الدول الأوروبية لمصر يرجع إلى أن جانبا كبيرا من النخب الغربية، خاصة الأوروبية، أصبح يفكر فى قضايا المنطقة مثل الرئيس المصرى، وبات يعتبر ضمنا أو صراحة أن هذه المنطقة غير مؤهلة للديمقراطية، وأن التفاؤل الغربى بالربيع العربى انتهى وبالا على المنطقة والعالم «باستثناء تونس»، وصار مشهد تدفق اللاجئين على الحدود الأوروبية مفزعاً لكثير من الغربيين، وهو الأمر الذى كرره الرئيس المصرى أكثر من مرة حين قال بشكل واضح للمستشارة الألمانية أثناء زيارته إلى هناك: «لولا الجيش المصرى لكنتم ترسلون لنا الآن المعونات عبر الطائرات».

والحقيقة أن فى أوروبا دائماً تياراً يمينياً متطرفاً كان يقول خطاباً مشابهاً للخطاب الرسمى المصرى، ويعتبر العالم العربى غير مؤهل للديمقراطية لأسباب غالباً ثقافية ودينية، وهو خطاب عبرت عنه كثير من الأحزاب السياسية العنصرية التى هاجمت العرب والمسلمين فى أوروبا، واعتبرت أنهم غير قابلين للاندماج فى نظم ديمقراطية حديثة، وأن أفضل لهم ولأوروبا أن يعودوا لبلادهم الأصلية.

والحقيقة أن التحول الذى حدث فى أوروبا، وحتى فى الخطاب الأمريكى المعلن للرئيس أوباما، «Obama›s Doctrine» تركز فى الفترة الأخيرة على الانسحاب السياسى من المنطقة، والابتعاد عن دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وبعد فشل معظم الثورات العربية وصعود التنظيمات الإرهابية التى ضربت قلب العواصم الأوروبية الكبرى، انتقل الحديث عن «المنطقة غير القابلة للديمقراطية» من اليمين المتطرف إلى اليمين واليسار غير المتطرف، الذى يقول ضمنا أو صراحة إن النظم العسكرية أو الاستبدادية فى المنطقة هى أفضل من إرهاب داعش، ومادامت الثورات العربية لم تجلب ديمقراطية، إنما فوضى ولاجئين، فإن من الأفضل دعم أى نظام سياسى حتى لو كان غير ديمقراطى مادامت لديه دولة وجيش وعَلَم واحد، مهما كانت سوءاته وعيوبه.

والحقيقة أن تقَبُّل الرئيس الفرنسى خطاب الرئيس السيسى بالقول إن معاييرنا فى الديمقراطية وحقوق الإنسان تختلف عن أوروبا ليس فقط بسبب المصالح الاقتصادية المشتركة، ولا أيضا بسبب حرص فرنسا وأوروبا على عدم انهيار مصر، إنما لأن جانبا من هذا الكلام جاء على هوى الرئيس الفرنسى وكثير من القادة الغربيين، بصرف النظر عن اشتراكيته، وعن إيمانه النظرى بأن الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان هى قيم عالمية.

إن الواقع يقول إن العالم العربى شهد تجارب تغيير جلبت فوضى وإرهابا فى كل من ليبيا وسوريا واليمن، وأنتجت نظاما غير ديمقراطى مستقر فى مصر، وفى تونس توجد تجربة تحول ديمقراطى يتيمة، لم تَخْلُ من تحديات كثيرة، أبرزها تصدير الإرهابيين إلى كل بقاع العالم.

بالمقابل ترى النخبة الغربية نجاح التجارب الأوروبية فى التحول الديمقراطى، مثلما جرى فى أوروبا الشرقية، حتى لو تعثر بعضها فى إنجازه الاقتصادى والسياسى- «رومانيا مثلا»- إلا أنها لم تشهد حروبا أهلية ولا انقساما فى الجيوش ولا إرهابا ولا لاجئين عابرين لكل حدود.

القضية بالنسبة لأوروبا ليست ترفا نظريا أو فكريا كما يتصور البعض عندنا، ولا فقط مصالح اقتصادية، لأنها ستستمر مع أى نظام، إنما فى وجود تيار واسع من النخب الأوروبية الحاكمة وغير المتطرفة صار يفكر تماما مثلما يفكر الرئيس المصرى، واعتبر مجتمعاتنا غير قابلة للديمقراطية، ومعاييرها مختلفة لحقوق الإنسان، بعد أن عشنا فى العالم العربى تجارب فشل مدوٍّ، بل إن بعض هؤلاء القادة اعتبر أن المنطقة ميؤوس منها.

يقينا النظم الاستبدادية لن تجلب الاستقرار ولن تحافظ على الدولة، وأن مصر «والعالم العربى» تحتاج تنمية اقتصادية وإصلاحات سياسية تكون بداية عملية تحول ديمقراطى، صحيح أن الديمقراطية لن تأتى بكبسة زر كما يقول الشوام، ولكن ذلك أمر يختلف تماما عن القول بأننا شعوب غير مهيأة للديمقراطية، وأن معايير حقوق الإنسان عندنا تختلف عن أوروبا.

لا توجد معايير مختلفة لحقوق الإنسان، وهل المعايير المختلفة تبرر قتل أحد أفراد الشرطة لشابين، أمس الأول، فى مدينة الرحاب بسبب كوب شاى، وقبلها فى الدرب الأحمر، وقبلها وقبلها؟.

الغرب لم تعد قضيته ولو شكلاً الديمقراطية فى بلادنا، لأن الجانب الأكبر من نخبته الحاكمة صار معتقدا أننا منطقة فشلت فى التحول الديمقراطى، وأن «الاستقرار غير الديمقراطى» أفضل مائة مرة من فوضى ثورية أو ديمقراطية تصدِّر إرهابيين أو لاجئين، ولذا سيندهش كثيرون فى الغرب لو نجحنا فى بناء ديمقراطية الاستقرار والتقدم.

omantoday

GMT 10:33 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

إسرائيل و«حزب الله»... التدمير المتواصل

GMT 10:32 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

أقصى اليمين القادم

GMT 19:24 2024 الأحد ,19 أيار / مايو

شعار حماية المدنيين

GMT 10:07 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

الدعم المطلق

GMT 11:09 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

ما بعد الاجتياح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الغرب ضد الغرب الغرب ضد الغرب



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab