بقلم:عمرو الشوبكي
حوار الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون مع قناة بى بى سى، أمس الأول، ومطالبته بوقف إطلاق النار في غزة يمثل أول تحول في مواقف الدول الغربية الكبرى، حيث لا تزال أمريكا وبريطانيا تتمسكان بهدنة إنسانية، وتعتبران وقف إطلاق النار ستستفيد منه حماس.
الموقف الفرنسى، الذي رفع شعارًا غير مسبوق في سذاجته بإقامة «تحالف دولى ضد حماس»، ونسى أو تناسى أن التحالف الدولى الوحيد المطلوب إقامته هو من أجل «مواجهة الاحتلال»، انتقل إلى موقف متقدم عن باقى الدول الغربية الكبرى، وطالب بوقف إطلاق النار.
وقد قال الرئيس الفرنسى في حواره إن الواقع يقول- (استخدم تعبير De Facto)- إن هناك أطفالًا ونساء وشيوخًا يموتون، وكلهم لا علاقة لهم بحماس، وحين سألته المحاورة: هل تعتبر أن إسرائيل مذنبة (Guilty)، رفض أن يقول نعم، وقال إنه رئيس دولة وليس قاضيًا.
ومع ذلك، فإن الموقف الفرنسى الجديد عزّز مواقف عدد من الدول الأوروبية، مثل إسبانيا والبرتغال واليونان، بجانب موقف قوتين عظميين، هما روسيا والصين، بالمطالبة بوقف إطلاق النار، وهى في الحقيقة دعوة إلى وقف المجازر التي تجرى في حق المدنيين في غزة.
والحقيقة أن معضلة وقف إطلاق النار في غزة ترجع إلى كون إسرائيل اعتبرت قتل المدنيين جزءًا أساسيًّا من استراتيجيتها العسكرية والسياسية، على خلاف معظم الحروب التي جرَت في العالم حين كانت المواجهة تجرى بين جيوش نظامية أو بين فصائل مسلحة، ويكون استهداف المدنيين أمرًا عرضيًّا، وليس سببًا أصيلًا للحرب.
إن تعمد استهداف المدنيين ليس أمرًا عابرًا أو بسبب سياسات عدوانية معتادة من جانب دولة الاحتلال، إنما أُضيف إليها هدف استراتيجى وقوده قتل المدنيين، فالدولة العبرية ترغب في تهجير الفلسطينيين من شمال غزة إلى جنوبها.
وهو ما فعلته حاليًا مع حوالى ربع مليون شخص، واستخدمت لتحقيق هذا الهدف كل الوسائل غير المشروعة من قتل للمدنيين والأطفال واستهداف المستشفيات، في واحدة من أبشع جرائم القتل التي شهدها العالم مؤخرًا.
وقف إطلاق النار يعنى أولًا حماية المدنيين والأطفال، ويعنى ثانيًا إجهاض الجريمة الإسرائيلية في تهجير الفلسطينيين من ديارهم مرة أخرى، فلأول مرة، منذ الحرب العالمية الثانية.
نجد استراتيجية حربية تقوم أساسًا على استهداف المدنيين، ويكفى ما قاله أمين عام الأمم المتحدة من أن ضحايا حرب غزة من موظفى الأمم المتحدة عددهم أكبر من أي ضحايا للمنظمة الدولية، منذ تأسيسها، في أي صراع آخر في العالم، بما يعنى أن حصانة موظفى الأمم المتحدة، التي يتمتعون بها في كل مكان، لا تحترمها إسرائيل، التي صارت فوق أي قانون.
خطوة وقف إطلاق النار يجب أن تكون ورقة الضغط الأهم للعالمين العربى والإسلامى بعيدًا عن أي شعارات أو إدانات متكررة لأنها ستنقذ أرواح بشر، وستعطل المشروع الصهيونى في التهجير.