بقلم : عمرو الشوبكي
تعتبر جريمة مقتل الصبى الفرنسى من أصول جزائرية «نائل»، ذو الـ 17 عامًا، على يد أحد رجال الشرطة، جريمة بشعة فيها تعمد قتل (وفق اتهام النيابة) وعنصرية مخزية، فالصبى لم يكن لصًا ولم يكن فى خناقة مع الشرطة، إنما رفض الامتثال لتعليماتها بالتوقف ومشى دون أن يمثل أى خطر أو تهديد لرجلى الشرطة اللذين أوقفاه، وارتكب مخالفة تستوجب المحاسبة لا القتل.
رد فعل شباب الضواحى كان فيه عنف وغضب كبيرين، وأحصت الشرطة حتى أمس حرق 1300 مركبة خاصة وعامة، و50 هجومًا على أقسام شرطة وبلديات وبنوك، وتم اعتقال 1311 شخصا وأصيب 79 رجل شرطة.
والحقيقة أن احتجاجات الضواحى سبق وتكررت فى أكتوبر 2005 فى عهد واحد من أكثر الرؤساء الفرنسيين انفتاحًا على العالم العربى ومحاربة للعنصرية والتطرف، وهو الرئيس الراحل جاك شيراك، ودفعت الرجل يضطر لفرض حالة الطوارئ فى البلاد لوقف أعمال العنف والتخريب، بما يعنى أن هناك مشكلة حقيقية فى علاقة الدولة بشباب الضواحى من أصول مهاجرة.
صحيح أن فرنسا دولة قانون، وهو يعنى أن هناك آليات داخلية تعمل على كشف الحقيقة حتى لو حاول البعض إخفاءها، وأن محاولة البعض الكذب والتحايل بالترويج فى البداية لرواية مزيفة تقول إن حياة الشرطى كانت فى خطر ولذا أطلق النار على الصبى، فإن هذه الرواية المزيفة وجدت فى دولة القانون من يدحضها، ودفعت الشرطة إلى تبنى الرواية الحقيقية لتصبح هى أساس محاسبة الشرطى على جريمته ووجهت له النيابة العامة تهمة القتل العمد.
الأزمة الحقيقة فى وجود شرخ كبير بين شباب الضواحى ذوى الأصول المهاجرة والدولة الفرنسية نتيجة تراكم سياسات تمييز ضدهم، وفى نفس الوقت أصبح رد فعلهم هو العنف والتخريب الذى لا يمكن قبوله.
تحتاج فرنسا أن تفتح بشجاعة ملف العنصرية، لأن ما جرى فى الضواحى الفرنسية هو عرض المرض، لأن هؤلاء الغاضبون أصبحوا مواطنين فرنسيين وليسوا مهاجرين غير نظامين يمكن أن تعيدهم لبلادهم، وأن تعثرها فى دمجهم داخل المنظومة السياسية والإدارية فى فرنسا، مقارنة بأمريكا وبعض البلدان الأوروبية، وتحديدًا بريطانيا، جعل رد فعلهم بهذا العنف المرفوض.
فى أمريكا من الصعب أن تجد صورة لقيادات أمنية ليس فيها أمريكى من أصل إفريقى، أما فى فرنسا فستحتاج لعدسة مكبرة لكى تشاهد فرنسيًا واحدًا من أصول عربية بين قيادات الصف الأول فى الشرطة أو أى وزارة أخرى.
الجرائم تحدث فى كل دول العالم ودولة القانون مهمتها تحقيق العدالة ومحاسبة المخطئ مهما كان موقعه، وأن محاسبة الشرطى على جريمته والعمل على عدم تكرارها وفتح ملف العنصرية والتمييز، وفى نفس الوقت رفض العنف والتخريب هو طريق العدل الذى يحقق التقدم.