بقلم : عمرو الشوبكي
فى كل دول العالم هناك طاقة متوهجة للشباب، وهناك صوت احتجاجى فى ضمير كثير منهم، وكثيرًا ما كان الشاب الأكثر تمردًا على السلطة هو الأكثر إفادة وعطاءً لوطنه، إذا كان هناك نظام سياسى قادر على دمجهم فى العملية السياسية وتحويل طاقة الرفض والاحتجاج إلى طاقة بناء وتجديد.
معادلة الشباب ليست معقدة، ولا يمكن حلها بالقمع والملاحقة الأمنية إنما بالحوار والاحتواء السياسى، فمثلاً شباب ثورات الطلاب فى فرنسا وكثير من دول أوروبا الغربية فى 1968، الذى خرج لإسقاط النظم القائمة والثورة عليها وملأ الشوارع والميادين صخبًا وحجارة، ووضع المتاريس واحتل الجامعات وأوقف الدراسة، هذا الشباب الثورى هو نفسه الذى أدخله النظام السياسى فى عملية ديمقراطية، جعلته يتخلى عن نظرياته الشيوعية الثورية لصالح الأفكار الاجتماعية الإصلاحية حتى أصبحوا فى سنوات قليلة أعضاء أحزاب ديمقراطية اشتراكية ثم رجال دولة فحكاما.
والحقيقة أن الشباب المصرى ليس بعيداً فى تجاربه عن كثير من شباب العالم، فقد تظاهر فى 1968 ضد نظام عبدالناصر والمسؤولين عن هزيمة 67، وتظاهر فى 1972 من أجل أن يحسم السادات الحرب مع إسرائيل، ثم شارك بفاعلية فى انتفاضة الخبز فى 18 و19 يناير 1977، ثم كان الوقود الذى فجّر ثورة 25 يناير ومحركها الأول.
وعقب وصول الإخوان للحكم انقسم المجتمع ومعه الشباب بين أغلبية ترفض حكم الجماعة، وبين أقليه تؤيده، وعقب سقوط حكم الإخوان ومجىء السيسى إلى السلطة أصبحت هناك أغلبية تؤيده وأقلية تعارضه، وبقى الشباب يمثلون الشريحة العمرية الأقل تأييدًا للرئيس حتى تصاعد صوتها الاحتجاجى والرافض لمجمل سياساته.
ومع تصاعد حدّة مشكلة جزيرتى تيران وصنافير، وقناعة تيار من المصريين بأنهما مصريتان وأن الحكم تنازل عنهما للسعودية لأسباب مالية، ظهر صوت الشباب مرة أخرى فى المظاهرات التى جرت فى «جمعة الأرض»، وظهر أكثر فى دعوته على مواقع التواصل الاجتماعى لمظاهرات أخرى اليوم فى ذكرى تحرير سيناء.
وتعّرض عشرات الشباب لحملة اعتقالات واسعة طوال هذا الأسبوع، بعضها كان ممنهجًا بغرض الحيلولة دون خروج مظاهرات اليوم (ربنا يستر على الدماء المصرية)، وبعضها كان عشوائياً على طريقة: أنت شاب وصحفى، إذن أنت متهم.
والحقيقة أن التعامل مع الشباب المحتج والرافض بهذه الطريقة الأمنية، والحوار فقط مع الشباب المؤيد «المهذب» الذى يتحدث فقط عن دراسته والعمل، أمر لا علاقة له بالسياسة وحتى ضد ما اعتدنا أن نراه من نظمنا غير الديمقراطية، فالرئيس السادات تحاور فى 1976 مع كل من حمدين صباحى ود. عبدالمنعم أبوالفتوح فى لقاء أذيع على الهواء ولم يُقطع، حين كان الأول رئيسًا لاتحاد طلاب جامعة القاهرة، والثانى أحد قياداته، ولم تقل الأجهزة الأمنية للرئيس لا تتحاور معهما على الهواء، أو أحضرت له فقط المؤيدين، كان ذلك منذ 40 عاماً وقبل أن تصبح قضية الحريات العامة والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان لها الأولوية الأولى بالنسبة للجيل الحالى.
احتواء الشباب والحوار معه لا يعنى ضمه لبرنامج الرئيس الرئاسى، ولا أن يصبحوا مؤيدين، إنما فى تحويل معارضتهم من حالة ثورية ترفض بشكل جذرى النظام الحالى إلى معارضة إصلاحية تراهن على المستقبل وتحترم المؤيدين للنظام، وهذا لن يتم إلا إذا توقفت أيدى الأمن الغليظة عن ملاحقة الشباب، وأفرج عن كل المعتقلين السلميين فى عفو رئاسى شامل، وفتح مسار سياسى يعطى أملًا بأن التغيير قادم وعبر صناديق الاقتراع.