بقلم : عمرو الشوبكي
ما جرى فى الأشهر الثلاثة الأخيرة من حوادث طائفية مؤلمة فى محافظة المنيا وغيرها (بنى سويف مؤخرا)، يعطى جرس إنذار عن مخاطر اندلاع حوادث عنف طائفى تهدد السلم الأهلى بالبلد، وتعمق الانقسام المجتمعى بصورة قد تصعب السيطرة عليها.
السؤال الذى يخفيه الكثيرون حين يتحدثون عن موضوع الفتنة الطائفية هو التغير الذى أصاب قطاعا يُعتد به من المجتمع المصرى، وتحوله نحو التعصب والطائفية، واختزال الأمر فى القلة المنحرفة أو المتطرفة أو الوهابية، التى لا تعبر عن معدن «الشعب المصرى الأصيل»، وهو ما يَحُول دون بذل أى جهد جاد لحل المشاكل الاجتماعية القائمة.
وعلينا أن نقر ونعترف بأن المجتمع المصرى أصابه مثل ما أصاب مجتمعات عربية كثيرة من أفكار متعصبة، ظل بقاء الدولة الوطنية (مع كل أزماتها، وغياب أى رؤية لإصلاحها) ملاذا حقيقيا يَحُول دون تكرار ما جرى فى بلاد مجاورة من مجازر جماعية بحق الأقليات الدينية.
ومع ذلك فإن الارتكان على هذا المعطى الإيجابى دون أى جهد لمواجهة الطائفية المجتمعية قد يؤدى بنا إلى أوضاع مشابهة لتلك البلدان.
والحقيقة أن نقطة الانطلاق الأولى لابد أن تكون بالاعتراف بأن هناك تحولاً أصاب المجتمع المصرى، وأن هناك خطابا متعصبا يتبناه قطاع يُعتد به من المسلمين والمسيحيين، فيه نفى للآخر ورفضه، مع فارق رئيسى أن مَن يستخدم العنف هم فى غالبيتهم الساحقة مسلمو الديانة.
والحقيقة أن معالجة التعصب الطائفى لن تكون فقط باسترجاع ما قيل فى القرآن الكريم وفى السنة النبوية من أن الله أمرنا باحترام حقوق الأقباط وأوصانا بهم خيرا، إنما بالبدء فى تكريس ثقافة مدنية قائمة على احترام الآخر وليس بالضرورة حبه، وتكريس معانى محاسبة المخطئ من الجانبين، لا أخذ أهله وعائلته وأبناء ديانته رهائن، وطردهم من الحى أو القرية، كما حدث أكثر من مرة لعشرات العائلات المسيحية، رغم أن أى مجتمع قطع شوطا، ولو محدودا، نحو الحداثة ودولة القانون مَن يرتكب فيه خطأ أو جريمة يُحاسب هو فقط على فعلته وليس عائلته وأهله.
والمؤسف أن مصر بحاجة إلى قوافل تواصل مدنية، متصالحة مع قيم الدين، ولا تنظر بتعالٍ لأحوال الصعيد وتختزله فى المتعصبين والمتطرفين وتنسى قيماً كثيرة إيجابية موجودة هناك، هذه «القوافل المدنية» قوامها مبادرات أهلية مدنية تتوازى مع جهود بيت العائلة وغيرها من المبادرات الدينية الإسلامية والمسيحية.
القوافل المدنية يجب أن تحل مكان الصيغة التقليدية لجلسات الصلح العرفى، التى صُممت من أجل أن يفلت الجناة من العقاب، والتى تُحدث جروحا سلبية بسبب شعور المسيحيين بأنهم مطالبون مع كل اعتداء يتعرضون له بأن يقبلوا الصلح من أجل البلد والوحدة الوطنية، فى حين لا يدفع مرتكبو الجرائم من المسلمين أى ثمن.
يقيناً نحن فى حاجة لقنوات اتصال مع المجتمع، الذى أصابت قطاعا واسعا منه أمراض التعصب والكراهية، يُستفاد فيها من مظلة الأزهر والكنيسة، ويتوقف بعض نشطاء المسلمين والمسيحيين عن المزايدة عليهما لصالح الفراغ والعدمية، اللذين قد يوصلان البلد إلى طريق كارثى، ويبذلون قليلا من الجهد من أجل التواصل مع المجتمع الحقيقى، لا المتخيَّل أو المأمول.
أسوأ ما يجرى فى مصر الآن هو تلك القدرة النادرة على تحويل أى طاقة إيجابية تساعد المجتمع على تجاوز، ولو جانباً من أزماته، إلى طاقة سلبية تعمق أزماته، فدعونا نبدأ بأن نقول إن هناك مشكلة مجتمعية، وإنه لابد من السماح للجوانب المستنيرة داخل هذا المجتمع بأن تبادر وتتحرك لإعادة ولو جانباً من هؤلاء الطائفيين المتعصبين إلى جادة الصواب والاعتدال، من خلال عمل اجتماعى وسياسى على الأرض.