عمرو الشوبكي
حين تأتى الشركات الغربية الكبرى إلى مؤتمر شرم الشيخ وتعلن عن خططها للاستثمار فى مصر، وحين يتحدث زعماء العالم عن أهمية القاهرة ومكانتها الإقليمية، نسعد جميعا وتبرز وسائل إعلامنا اهتمام الغرب بنا وإشادته بقدرتنا على تحقيق التنمية، ونعتبر تفاعلنا مع المؤسسات الاقتصادية الغربية، حتى الاحتكارية منها، دليلاً على قوتنا وقدرتنا على التأثير فى العالم.
والحقيقة أن هذا التفاعل الذى جرى فى مؤتمر شرم الشيخ بين كبريات الشركات العالمية ونظيرتها المصرية، وبين كبار رجال الأعمال المصريين ونظرائهم الغربيين أعتبره دليل نجاح ومظهر فخر وتفوق لنا، وهو أمر فى مجملة صحيح.
والحقيقة لو تخيلنا أن نفس هذه المؤسسات الغربية قررت أن تقيم مؤتمراً موازياً فى مصر حول قضايا تتعلق بحقوق الإنسان أو الديمقراطية أو التنمية السياسية كما تفعل كثير من المؤسسات المرتبطة فى تمويلها بهذه الشركات الاقتصادية الكبرى، فماذا سيكون رد الفعل؟ وماذا سيوصف المشاركون فى هذا المؤتمر «الأجندات» لمجرد أنهم انتقلوا من الحديث الاقتصادى إلى حديث فى التنمية السياسية والديمقراطية وحقوق الإنسان؟
المؤكد سيعتبر النقاش فى هذه المواضيع تدخلاً فى الشأن الداخلى المصرى، واعتداء على السيادة الوطنية، وتآمراً على مصر، فى حين أن استثمارات بالملايين وشركات اقتصادية كبرى تدخل السوق المصرية لا نعرف عن «أصلها وفصلها» الكثير، هى كلها أمور مقبولة ومرحب بها.
الفصل بين الاقتصاد والسياسة لم تفعله أى دولة متقدمة، وتصور أن نجاح الاقتصاد سيعوض تعثر السياسة أمر لم يحدث فى تجربة نجاح واحدة، حتى الصين التى يحكمها حزب واحد، وهو الحزب الشيوعى، امتلك تصوراً سياسياً متكاملاً وجه به أولويات الخطة الاقتصادية ونمط التنمية وليس العكس.
المؤكد أن فى الاقتصاد، كما فى السياسة، هناك قضايا أمن قومى، وهناك قواعد دستورية وقانونية تنظم التفاعل مع العالم الخارجى، وهناك أمور فى الاقتصاد وعالم البيزنس والاستثمار الأجنبى لا يمكن السماح بها وفق مفهوم المصلحة الوطنية العليا والسيادة الوطنية، والأمر نفسه فى السياسة.
فكما لا يمكن أن تبيع صناعاتك الاستراتيجية أو العسكرية لمستثمرين أجانب، لا يمكن أيضا أن تسمح للشركات أو الدول الأجنبية بأن تنفق على أحزابك أو مرشحيك أو برلمانك.
فكما هناك «خطوط حمراء» يحددها الدستور والقانون والمصالح العليا للدولة فى الاقتصاد تتكرر هى نفسها فى السياسة، أما إعطاء حقوق ومساحات فى النشاط الاقتصادى وفعل العكس فى النشاط السياسى فهو أمر لا يمكن أن يصنع تجربة نجاح واحدة.
معضلة المسطرة المصرية فى هذا الشأن أنها منحازة انحيازاً كاملاً للرؤية الاقتصادية وفقط، وهى بالتأكيد مطلوبة وحاسمة ولكنها تحتاج أيضا إلى رؤية سياسية، فكما هناك علم اسمه التنمية الاقتصادية هناك علم آخر اسمه التنمية السياسية.
ليس مطلوباً أن تُستباح السيادة الوطنية فى الاقتصاد كما فى السياسة، ولكن ليس مطلوباً أيضاً أن يكون هناك ترحاب كامل بأى نشاط اقتصادى فى حين لو قررت نفس أو بعض هذه المؤسسات الاقتصادية، التى رحبنا بها فى شرم الشيخ، أن تكون لها برامج فى التنمية السياسية أو مناقشة قضايا حقوقية أو مدنية فسنتهمها بكل التهم التى قلنا عكسها فى الاقتصاد.
علينا أن نتفاعل بنفس الثقة فى المجالات السياسية كما الاقتصادية، لا أن نميز بين الاقتصاد والسياسة بمسطرة عرجاء، لأن ما سيصنع مستقبل مصر هو مسطرة دقيقة تحقق لنا تنمية اقتصادية وسياسية معاً.