الوطنية ليست وظيفة

الوطنية ليست وظيفة

الوطنية ليست وظيفة

 عمان اليوم -

الوطنية ليست وظيفة

عمرو الشوبكي

خطاب الوطنية فى مصر حوّله البعض إلى وظيفة ومهنة، متصورين أن الأغانى الوطنية ستخرجنا من مشاكلنا الكثيرة، والهتاف بعظمة الشعب المصرى يكفى للخروج من أزماتنا.

والحقيقة أن خطورة الخطاب الوطنى الحالى أنه ليس هو بالضبط الخطاب الوطنى المطلوب فى 2015، وهو، فى كل الأحوال، يجب أن يختلف عن وطنية العشرينيات والثلاثينيات الوفدية، والخمسينيات والستينيات الناصرية التى مثلت محطات ملهمة فى تاريخنا ليس مطلوبا استنساخها مرة أخرى.

والحقيقة أن الوطنية المصرية وقفت حجر عثرة أمام الاستعمار ومؤامرات الخارج، وفتحت طاقة للنضال السياسى والشعبى من أجل البناء والتنمية فى الداخل ومواجهة الاستعمار فى الخارج.

إن الوطنية ليست هتافات ولا حملات تخوينية كما يجرى الآن، وصادم أن تكون أكثر العناصر الإعلامية والسياسية جهلا وتسطيحا ونشرا لخطاب التحريض والكراهية هى التى تدعى أنها رموز هذه الوطنية وحملة صكوكها، ونسوا أو تناسوا أن الوطنية لها استحقاقات وليست مجرد شعارات تلقى من خلف الغرف المغلقة.

الوطنية فى عصر سابق عنت ببناء مشروع سياسى متكامل عقب ثورة 1919 من خلال حزب الوفد، فدافع عن الدستور وناضل من أجل الاستقلال، وأخفق فى أمور ونجح فى أخرى، لكنه كان الحاضنة الشعبية التى جسدت على الأرض معانى الوطنية فى حزب سياسى كبير فاز فى أى انتخابات حرة، وفى فكر مدنى تنويرى احترم الدين والعادات والتقاليد، ونجح فى إضعاف الفكر المتطرف والتيارات الظلامية.

وتكرر الأمر نفسه، وإن كان بصورة مختلفة، مع تجربة عبدالناصر، فتداخلت العروبة مع الوطنية المصرية، وحقق الرجل الاستقلال، وقاد تجارب التحرر الوطنى فى العالم كله ضد الاستعمار والهيمنة الأجنبية، وبنى أكبر قاعدة صناعية عرفتها مصر فى عصرها الحديث، وعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية رغم غياب الديمقراطية والتعددية الحزبية.

وطنيتك تترجم فى مشروع سياسى وفى طاقة عمل قادرة على الإنجاز حتى لو صاحبتها أغان وطنية كما جرى فى الستينيات لشحذ الهمم، لا أن تتحول هذه الأغانى والهتافات إلى بديل عن العمل والفعل كما يفعل البعض حولنا.

فى مصر الآن مشاريع اقتصادية كبرى مثل المجرى الثانى لقناة السويس ومؤتمر اقتصادى يسعى لجذب استثمارات اقتصادية للبلاد، وهى كلها جهود حقيقية تسعى لتحسين الأوضاع الاقتصادية، لكنها وحدها لا تكفى لترجمة معانى الوطنية المصرية الكامنة فى ملايين المصريين وأخرجتها طاقة 30 يونيو فى مشروع سياسى واقتصادى متكامل ابن عصره يستفيد من المشاريع السابقة ولا يستنسخها.

إن عجز النخبة المرتبطة بالوطنية المصرية عن تقديم نموذج كفء قادر على إصلاح مؤسسات الدولة، وإدارة صراع سياسى ديمقراطى مع القوى السياسية المختلفة دون استخدام نفس الأساليب الأمنية القديمة، والتصالح مع خطاب التخوين والتحريض السائد إعلاميا سيقضى على الفرصة الأخيرة فى بناء مشروع وطنى ديمقراطى حديث.

إن بعض من يهتفون صباحا ومساء للرئيس يتصورون أن البلد قادر على الوقوف على أقدامه بهذا النوع من الهتافات، ويتناسون أن مشروع الداخل الوطنى يواجه تحديات لم يعرفها منذ تأسيس الدولة الوطنية على يد محمد على (1805) وحتى الآن، فقد عانى المصريون من حكام وطنيين مستبدين أو فاسدين، لكنهم هذه المرة معرضون أن يصنع حكامهم من خارج الحدود، وأن تفكك دولتهم بسبب أخطائها وسوء أدائها جنبا إلى جنب مع مؤامرات الخارج مثلما جرى فى أفغانستان والعراق وغيرهما.

المؤكد أن الوطنية المصرية، التى تمثل أساس نجاح أى مشروع سياسى جديد، تعانى من أزمات كثيرة، تترجمها الدولة الوطنية المأزومة والمتراجع كفاءتها، والتعليم الحكومى والوطنى المتراجع أمام التعليم الأجنبى، واللغة العربية المحاصرة من اللغات الأجنبية.

ورغم أن أبناء مشروع الداخل الوطنى هم غالبية الشعب المصرى، إلا أن ضعف كفاءة المؤسسات التى يعملون فيها (بما فيها أحزابهم الوطنية) وتراجع مستوى التعليم الوطنى العام قد أضعفا من قدرتهم على المنافسة والتأثير، وزادا من قوة المؤسسات العالمية واختراقاتها داخل مصر.

أن تكون مدافعا عن الوطنية المصرية، بأبعادها العربية والإسلامية والأفريقية الآن يعنى ضرورة بذل مزيد من الجهد والعرق، وقليل من الصريخ والهتاف، لأننا فى وضع أصعب بكثير من الوضع الذى أحاط بالوفد قلب الحركة الوطنية قبل ثورة يوليو، وجمال عبدالناصر بعدها نتيجة حالة الضعف والاختراق التى أصابت «الجسد الوطنى» العام فى مصر.

حين تكون التهديدات المحيطة بك بهذا الحجم، وحين يكون صراعك مركبا ومتعدد الأبعاد وتواجهه بطريقة الموظفين والهتيفة، فأنت حتما ستخسر المعركة، فالبعض يتصور أن مشاريع الداخل الوطنية سقطت فقط بسبب مؤامرات الخارج (التى هى تجسيد لمصالح قوى كبرى خارجية)، إنما هى سقطت أو انكسرت بفعل عوامل فشل داخلى، ومواجهتها يجب أن تكون بمشروع سياسى جديد لا بهتافات سياسية دائمة.

omantoday

GMT 17:25 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قرن البولندي العظيم (حلقة 2): اكتئاب ومشاكل

GMT 17:24 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة هوكستين... وعودة الدولة

GMT 17:23 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

عيد عُمان... ومعنى الأعياد الوطنية

GMT 17:21 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان... في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 17:20 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة مُغَيّبة والتدوير باقِ!

GMT 17:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

السّمات الدولية لسياسة ترمب

GMT 17:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قمة الرياض: أمن الإقليم مرتكزه حل الدولتين

GMT 17:14 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

السودان أمام المجهول

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الوطنية ليست وظيفة الوطنية ليست وظيفة



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 20:07 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab