عمرو الشوبكي
أعلن رئيس هيئة الانتخابات التركية، صباح أمس، النتائج غير الرسمية للانتخابات بفوز رجب طيب أردوجان، مرشح حزب العدالة والتنمية، من الجولة الأولى بنسبة 52%، فى حين حصل منافسه الرئيسى أكمل الدين إحسان أوغلو على 38% من أصوات الناخبين، أما المنافس الثالث كردى الأصل، صلاح الدين ديمرتاش، فقد حصل على حوالى 10% من الأصوات.
بقى أردوجان فى السلطة كرئيس وزراء 12 عاما، ثم عاد ليرتب أوضاعه ليصبح رئيس جمهورية لمدة 5 سنوات قابلة للتمديد مرة واحدة، وتصبح هناك إمكانية أن يبقى فى السلطة لـ22 عاما، بما يعنى أنه سيكون مرشحا أن يصبح «شبيهاً لمبارك» فى المنطقة وليس راعى الديمقراطية وثورات الربيع العربى كما يدّعى، ويُدخل مع القيود التى فرضها على حرية الرأى والتعبير ومحاولاته الدائمة توظيف الدولة لصالح حزب السلطة الجديد (العدالة والتنمية).. تركيا فى مصاف الدول غير الديمقراطية مثل جيرانها العرب الذين طالما عايرهم بنظمهم غير الديمقراطية وبحكامهم الذين بقوا لعقود طويلة فى السلطة.
رحلة رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوجان وحزبه العدالة والتنمية هى بالتأكيد رحلة نجاح، قبل أن تبدأ منذ العام الماضى فى الهبوط السريع، بعد أن أصاب الرجل تسلط البقاء الطويل فى السلطة 12 عاما وترتيب الاستمرار فيها 10 سنوات أخرى، والعمل على تغيير الدستور وتحويل البلاد من نظام برلمانى إلى نظام شبه رئاسى، بعد أن منعه النظام الداخلى لحزبه من الترشح للمرة الرابعة كرئيس للوزراء.
صحيح أن أردوجان أوصل تركيا فى 8 سنوات إلى واحد من بين أقوى 20 اقتصادا على مستوى العالم، ويتمتع بدرجة نمو اقتصادى مرتفعة ومستوى دخل تضاعف فى سنوات قليلة، كما أن حزبه مثّل نموذج الجيل الثانى من تجربة الإسلاميين (المؤمنين بعلمانية سياسية ديمقراطية تعتز بالإسلام الحضارى) فى تركيا، الذى اكتشف أن حكم حزب الرفاه الإسلامى بزعامة الراحل نجم الدين أربكان، الذى استمر عامين من 95 إلى 97، وسبق أن وصفناه بـ«الطبعة التركية لجماعة الإخوان المسلمين»، فشل فشلا ذريعا فى إدارة البلاد، فكان انقلاب الجيش التركى الناعم فى 97 ليجبر الراحل أربكان على الاستقالة، وجاء أردوجان محملاً بأفكار أكثر عملية، ومعلنا انتماءه للنظام العلمانى وإيمانه بمبادئ الجمهورية التركية التى أسسها مصطفى كمال أتاتورك، ونجح فى تحقيق أهم الإنجازات الاقتصادية والسياسية التى شهدتها تركيا منذ عقود طويلة.
إن صعود أردوجان المذهل على مدار 8 سنوات، وقوة خطابه وحجته، وإنجازه الاقتصادى والسياسى على الأرض جعلته يتصور أنه فوق النقد، ومحتكر للحقيقة والرؤية الصائبة، وبدأ يعانى من مشكلات بقائه فى السلطة لأكثر من عقد من الزمان حتى بات غير قادر على فراقها، وسنّ القوانين ليبقى فيها إلى الأبد.
إن معضلة أردوجان وحزبه المهيمن تتمثل فى امتلاكه ماكينة انتخابية وسياسية ذات كفاءة، قد تضمن له لسنوات طويلة ما بين 50 و60 فى المائة من أصوات الناخبين، وهو ما حدث فى تجارب كثيرة ليست لها علاقة بالعالم الإسلامى ولا الإسلاميين، مثل جنوب أفريقيا مع حزب المؤتمر الوطنى الحاكم، وفى روسيا الاتحادية، وفى المكسيك لفترة طويلة من الزمن (استمرت 70 عاما)، ويحدث الآن فى تركيا.
فوز أردوجان فى انتخابات الرئاسة يمثل رحلة تحول فى تاريخ قادة وتجارب حققوا إنجازات كبيرة لشعوبهم، ولكن بريق السلطة وغوايتها جعلتهم ينسون الإنجازات ويتشبثون بالبقاء الأبدى فى السلطة، ويضيعون كثيرا مما أنجزوه فى الواقع.. وأردوجان بالتأكيد واحد من هؤلاء.