كارثة القائمة المطلقة

كارثة القائمة المطلقة

كارثة القائمة المطلقة

 عمان اليوم -

كارثة القائمة المطلقة

عمرو الشوبكي

لا أعرف سبباً واحداً وراء التعجل فى إصدار قانون الانتخابات البرلمانية فى الأيام القليلة المتبقية من مدة الرئيس الانتقالى، ولا أعرف سبباً موضوعياً أو قانونياً واحداً يحول دون ترك الأمر للرئيس القادم ليقرر بالتشاور مع القوى السياسية شكل القانون الذى يجب إصداره.
هى بالتأكيد كارثة حقيقية، بعض ما يطرح الآن بخصوص القانون المزمع وضعه الذى غاب عنه الحس السياسى، ووضع أساساً لبرلمان إقصائى يستبعد كتلاً تصويتية قد تمثل أغلبية المجتمع، كما أن شكل تفصيل القانون الحالى يعيدنا للطريقة المباركية الشهيرة فى الإغراق فى التفاصيل والتفاصيل دون امتلاك أى رؤية سياسية واجتماعية تحدد ملامح القانون.
البعض لديه وهم أنه يمكن تفصيل قانون انتخابات على مقاس تيار أو قوة سياسية بعينها، وهذا لا يحدث إلا فى النظم التسلطية والاستبدادية، فالقوانين تكتب من أجل الصالح العام وتقدم للمجتمع من أجل أن تدفعه خطوات للأمام.
إن الحديث عن قانون لصالح التيار المدنى وهم كبير لأنه لا يوجد أى قانون سواء قائمة أو فردى يمكن أن ينقذ تياراً بعينه من أزمته، ويعزز من فرص نجاحه دون أن يقوم بعمله فى بناء مشروعه السياسى والحزبى واختيار أعضائه ومرشحيه وضبط خطابه السياسى والإعلامى، وليس البحث عن قانون تفصيل يتصور واهماً أنه سينقذه مما هو فيه. والمؤكد أن فى مصر جدلاً ممتداً حول القانون الأمثل للانتخابات، وهل الأنسب هو تبنى نظام الفردى أم نظام القوائم، وهل الأول يكون مطعماً بقوائم أم لا؟
والحقيقة أن انحيازنا منذ زمن بعيد للنظام الفردى المطعم بقائمة نسبية على مستوى المحافظات يرجع إلى أن نظام القائمة 100% الذى تتحدث عنه بعض القوى السياسية هو نظام متخيل لا علاقة له بالواقع المعاش، ويأتى فى إطار خطاب «الينبغيات» والأمانى الطيبة الذى اعتاد البعض ترديده، حين اعتبر أن تقويه الأحزاب ستبدأ بتبنى نظام القائمة بشكل كامل، وهو أمر غير صحيح بالمرة لأن القائمة ستخبئ نقاط ضعف الأحزاب وستكرس أوضاعها السلبية.
إن عماد العملية الانتخابية يجب أن يكون النظام الفردى لدوائر مساحتها معقولة (نائب لكل 400 ألف ناخب تقريباً) حتى لا يتحول النائب إلى مجرد مخلص لبعض مشاكل دائرته اليومية، وأن تطعيمه بالقوائم لن يكون بغرض خلق نظام مختلط (سمك لبن تمر هندى) إنما سيكون من أجل فتح الباب لمعالجة بعض المثالب الوارد حدوثها جراء انتخابات 100% فردى.
تبقى مشكلة الفردى الرئيسية أنها قد لا تسمح بمرور الأعداد الكافية من الخبراء والأكاديميين الذين يجب أن نراهم فى مجلس الشعب، ونفس الأمر ينسحب على المرأة والأقباط والشباب، ولذا من المهم تطعيم النظام الفردى بنسبة ثلث قوائم (بحد أقصى) على مستوى المحافظة وليس الدائرة، ولا الجمهورية كلها.
إن قائمة المحافظة النسبية تعنى عملياً أن تتواصل التيارات السياسية القاهرية مع المحافظات، وأن تعمل على خلق وجود حقيقى لها خارج القاهرة، وألا تستسلم لمقولة إن هناك محافظات ستختار التيار الإسلامى، فأفضل أن نتجه إلى القائمة الوطنية، لأن الحل سيكون بالعمل الجاد لمواجهة التأثير الإخوانى فى المحافظات بالسياسة وبتقديم مرشحين لهم تأثير حقيقى فى محافظاتهم لا أن يهرب البعض من تحمل المسؤولية ويتحدث عن قائمة وطنية تدار فى المركز وتنسى الأطراف.
إن كارثة القائمة الوطنية مزدوجة، فهى من ناحية تعزل التيارات المدنية عن التأثير والتنافس الحقيقى فى المحافظات وتكرس الوضع النخبوى الذى تعانى منه منذ عقود وتسلم الصعيد ومعها محافظة الفيوم لنفوذ التيار الإسلامى.. فيا فرحتى أن تكون هناك قائمة وطنية تعد فى القاهرة وتفوز فى الانتخابات وتكون منعزلة تماماً عن الواقع وتساهم بذلك فى تسليم محافظات الصعيد تسليم مفتاح للتيار الإسلامى الذى سيعبئ قواعده ضد العملية السياسية والبرلمان ومعه كل المحبطين والخاسرين فى الانتخابات.
إن قوائم المحافظات لن تكون طريقاً لدخول التيار الإسلامى إلى البرلمان، كما يتوهم البعض، إنما مسار حقيقى لربط نخب الأحزاب المدنية القاهرية بالمحافظات، وأن يكون البرلمان معبراً بدرجة معقولة عن القوى الاجتماعية المختلفة فى المحافظات.
أما الكارثة الثانية فهى نظام القائمة المطلقة الذى يعنى أن القائمة التى ستحصل على 51% من الأصوات ستأخذ كل المقاعد وتلك كارثة مكتملة الأركان، فهل يعرف معدوا هذا القانون أن أبرز عيوب النظام الفردى أنه لا يمثل أصوات المرشح الذى حصل على 49% من الأصوات، لأن النائب هو فقط من حصل على أغلبية الأصوات ولو بفارق صوت واحد، وبالتالى فإن نظام القائمة حين وضع لم يكن من أجل تقوية الأحزاب، كما يردد البعض عندنا، إنما من أجل فتح الباب أمام تصويت نسبى لكل قائمة تمثل فيه أصوات الناخبين ولا تستبعد منه أصوات القائمة الخاسرة كما يحدث على المقعد الفردى فتمثل كل قائمة فى البرلمان حسب الأصوات التى حصلت عليها، 10% أو 30% أو 60% وهكذا.
ولنا أن نتصور شكل البرلمان القادم الذى يقصى بشكل مطلق كل الأفراد والقوائم الخاسرة، بما يعنى وجود برلمان إقصائى منفصل عن المجتمع، فالقائمة يجب أن تكون نسبية لتعالج مثالب النظام الفردى فى عدم تمثيل الحاصلين على 49% من الأصوات لا دفعهم فى الفردى والقائمة إلى العمل خارج العملية السياسية.
إن المسار السياسى الحالى يواجه تحديات أكبر بكثير مما يتصورها القائمون عليه، وأن طرح أفكار مثل القائمة الوطنية المطلقة التى تقصى القوائم الخاسرة، يحول الاستقطاب بين التيارات المدنية والإخوان وحلفائهم إلى استقطاب وحرب طاحنة بين القائمة المدنية الفائزة والقوائم المدنية الخاسرة.
إن هناك من يتصور معارك مصر هى فى معاركه الصغيرة، وينسى أو يتناسى أن هذا البلد فى حاجة إلى مسار إدماجى لا إقصائى يستبعد بالقانون المحرضين على العنف والممارسين له، ولا يخسر كل يوم أنصاراً جدداً بسبب تعامل البعض مع السلطة كغنيمة، والقيام بتفصيل وهمى للقوانين على مقاس نخب وأحزاب محدودة التأثير، وسنكتشف بأسرع مما يتصور البعض أن «المسار المفصل» سيخلق خصوماً قادرين على تعطيل العملية السياسية بصورة أكبر بكثير مما يتصور البعض.
إن النظام المقترح هو نظام يعتمد بالأساس فلسفة النظام الفردى ويقسم الدوائر الانتخابية بين مستويين: الأول هو الدوائر الفردية غير المتسعة التى تعتمد على مساحة الدوائر القديمة وربما أصغر قليلاً ( مابين 350 ألفاً و400 ألف ناخب) هنا يدخل الاعتبار الشخصى والسياسى فى اختيار الناخب الذى سيشعر هنا بأنه يختار نائبه دون وصاية أو «كنترول» حزبى أو مالى، والمستوى الثانى يعتمد على قوائم نسبية مفتوحة على مستوى كل محافظة وليس قائمة وطنية مطلقة ولا قائمة دوائر، كما جرى فى الانتخابات السابقة، أى تجرى فى محافظة القاهرة انتخابات بين قوائم تضم كل واحدة 15 مرشحاً مثلاً، وفى الجيزة 12 وفى أسيوط 8 والدقهلية 10 وهكذا يحدد عدد أعضاء القائمة وفقاً لعدد سكان كل محافظة، وفى حدود سقف الثلث بحد أقصى (والربع بحد أدنى) للقوائم.
أعيدوا النظر فى القائمة الوطنية المطلقة قبل أن يدفع الوطن كله ثمنها.

 

omantoday

GMT 17:25 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قرن البولندي العظيم (حلقة 2): اكتئاب ومشاكل

GMT 17:24 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة هوكستين... وعودة الدولة

GMT 17:23 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

عيد عُمان... ومعنى الأعياد الوطنية

GMT 17:21 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان... في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 17:20 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة مُغَيّبة والتدوير باقِ!

GMT 17:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

السّمات الدولية لسياسة ترمب

GMT 17:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قمة الرياض: أمن الإقليم مرتكزه حل الدولتين

GMT 17:14 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

السودان أمام المجهول

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كارثة القائمة المطلقة كارثة القائمة المطلقة



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 20:07 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab