مكرم محمد أحمد
ما ينبغى ان نفهمه بوضوح، أن المطلوب الان ثورة على مفاهيم الفكر الاسلامى وليس ثورة على الدين الاسلامي، لأن الاسلام هو اول الأديان السماوية احتراما للعقل الانساني، واكثرها تقديرا لاهمية العلم وضرورته لإحداث تقدم المجتمع، واشدها قبولا لمتطلبات التطوير والتغيير..، هذه حقائق راسخة تؤكدها عشرات الايات القرانية التى تغنى عن الكثير من القول..، وما من شك فى ان تجارب الفكر الاسلامى فى ظل حركات التنوير التى لم تنقطع، أثمرت الكثير من الانجازات التى تصلح اساسا قويا لتطوير الخطاب الديني، بما يجعله اكثر ارتباطا بقضايا عصره، واكثر قدرة على الاقناع وكسب العقول والقلوب، واكثر توافقا مع العلم والتقدم، واكثر ثراء فى تعزيزه لحقوق الانسان فى العدل والمعرفة التقدم.
كما أثمرت المراجعات التى حدثت لافكار ورؤى عدد من الجماعات المتطرفة انجازات مهمة فى تطوير الفكر الاسلامى لا ينبغى اهدارها، من بينها الفهم الحقيقى لمعنى الجهاد وأولوياته، وفساد دعاوى الحسبة فى ظل وجود الدولة، والتزام الاسلام بتشجيع السياحة وتامين التجار والاجانب، والتحريم المطلق لقتل المسلم لاخيه المسلم دون حق، والقبول بحقوق المواطنة المتكافئة لجميع المصريين دون تمييز فى الجنس او اللون او الدين، ومعاملة اصحاب الديانات السماوية على نحو متكافئ دون شروط متعسفة تضعهم فى المكانة الادنى او تلزمهم بدفع الجزية،ورفض تكفير الآخرين على نحو مطلق لان من كفر مسلما فقد باء بها.
ويزيد على ذلك ثوابت راسخة فى النص الاسلامى تعطى للعقل مكانة متميزة وتعتبر التفكير فريضة اسلامية، وتطالب بحسن تأويل النص الدينى دون تنطع لانه لا يشاد الدين أحد إلا غلبه، وتفتح باب الاجتهاد بحيث لا يغلق أبدا لانكم أعلم بدنياكم، وتقر بأولوية مصالح العباد ضمن مقاصد الشريعة، كما يحض النص الدينى على الحوار والتآلف واحترام الآخر واعتبار النساء شقائق الرجال لهم كل الحقوق بما فى ذلك العدل والرحمة وحسن التسريح بإحسان.
وذلك يعنى ان اسس تطوير الخطاب الدينى قائمة وموجودة ومحددة، واننا لا نحتاج إلى اختراع العجلة من جديد، فقط نحتاج إلى نقاء الفكر ووضوحه، وفرز الغث من السمين والخطأ من الصواب، وتوحيد سلطة الافتاء الدينى بما يمنع الالتباس وسوء الظن، وحسن تربية الدعاة بما ينزع من داخلهم روح التعصب.