المصريون يعتصمون بوطنيتهم دون انتظار عون الصديق أو الشقيق

المصريون يعتصمون بوطنيتهم دون انتظار عون الصديق أو الشقيق!

المصريون يعتصمون بوطنيتهم دون انتظار عون الصديق أو الشقيق!

 عمان اليوم -

المصريون يعتصمون بوطنيتهم دون انتظار عون الصديق أو الشقيق

بقلم : مكرم محمد أحمد

ليس أمام المصريين فى شدتهم الراهنة سوى أن يعتصموا بوطنهم، يعضوا بالنواجذ على دولتهم ويضعوها مكان القلب وفى حدقة العين، لا يضمرون خيرا لكل من أراد بها شرا أو سوءا، يدافعوا عنها بشجاعة حتى الموت، ويعرفا أن مصائرهم جميعاـ أغنياء وفقراء، ملاكا وغير ملاك، عمالا وفلاحين وجنودا فى الشرطة والقوات المسلحة، ومثقفين ونبهاء يفكون الخط ـ معلقة بسلامة هذا الوطن ووحدته، لا ينتظرون عون الصديق الذى غاب أو الشقيق الذى عز، وإنما يكون اعتمادهم بالأساس على أبناء جلدتهم، المصريين الذين يعشقون تراب هذا الوطن ويرونه أعظم الأوطان وأكثرها خلودا، موعودا بالأمن والسلامة والفرج القريب مهما اشتد الكرب وعظم الامتحان.

وأظن أن مسئوليتهم أمام أجيالهم الجديدة تلزمهم أن يخوضوا معركة الصمود تملأهم مشاعر العزة والثقة بالنصر، لا عبوس ولا قنوط ولا يأس، يتفاءلون خيرا لأنهم لا يريدون سوى الإصلاح، ويثقون فى قدرتهم على عبور هذه الأزمة كما عبروا أزمات عديدة سابقة، ويعرفون أن عليهم أن يغيروا ما بأنفسهم حتى تتغير أحوالهم، بحيث يصبحون أكثر صدقا وصراحة مع النفس، يواجهون أخطاءهم بشجاعة ويتعلمون من دروسها المستفادة، ويسدون كل الفجوات التى تفصل بين أجيالهم، ويحرصون على اليقظة المستمرة، ويوحدون صفوفهم فى مواجهة التحدي.

ويدركون أن رهطهم المتزايد وقد وصلوا إلى مشارف المائة مليون نسمة يلزمهم حسن التصرف فى مقدراتهم وحسن التخطيط لمستقبلهم، والالتزام الكامل بمعايير الجدية والصرامة وإلا أكلهم الزحام والفوضى وباتوا كالعهن المنفوش، بحيث يأكلون مما ينتجون، ويلبسون مما ينسجون، ويبيعون بأكثر مما يشترون، ويهجرون الفهلوة والفشخرة وحب المظاهر الكاذب، ويدركون حكمة المثل المصرى القديم (ليس الفتى من قال كان أبى وإنما الفتى من قال ها أنا ذا) ويعنفون أنفسهم ليل نهار لأنهم لا يكدون كما ينبغى أن يكون كد الأمم التى تريد التقدم، ولا يعملون بنفس الطاقة التى يعمل بها معظم أجناس الأرض، ويعرفون أن طاقة الاسيويين تفوق بمراحل طاقتهم على العمل وكذلك الأوروبيون وجميع الأمم الناهضة، ومن نقائصهم أنهم لا يتقنون عملهم إلا فى ظل رقابة صارمة، ويهدرون الكثير من الفاقد، ولا يكترثون كثيرا بالمال العام، ويسيئون استخدام المرافق إن كانت ملكا على المشاع، ويضيعون كثيرا من الوقت رغم أنهم يعملون بدقة الساعة السويسرية فى ظل نظم إدارية تحسن الثواب والعقاب.

ولا أريد أن أقسو كثيرا على المصريين فى ظل هذه الظروف الصعبة، يكفيهم هذا الحصار الدولى الذى يعيشون تحت وطأته منذ أن نفضوا عن أنفسهم حكم المرشد والجماعة، وخرجوا فى تظاهرات يونيو التى لم يشهد لها العالم مثيلا يعلنون رفضهم لطغيان جماعة الإخوان المسلمين واستحواذها المرعب على كل مفاصل الدولة ووظائفها العليا، وتسلطها على كل مقدرات مصر فى نهم ورعونة بالغين، ومعاداتها لكل مؤسسات الدولة وفى مقدمتها القضاء والإعلام والجيش والشرطة، فضلا عن جرائمهم الإرهابية القذرة فى تفجير أبراج الكهرباء ومحولاتها، وتوزيع الشحنات الناسفة على أحياء مصر الكثيفة السكان، وتعمدهم تخريب المواصلات وأدوات الاتصال، فضلا عن الطابور الخامس الذى يخرب الاقتصاد الوطنى ويضارب على سعر الدولار وينشر الأكاذيب والشائعات.

ولا أظن أن أحدا يمكن أن ينكر هذا الاستهداف المتعمد لخنق حركة السياحة فى مصر فى خطة واضحة المعالم، استهدفت الإضرار بأمن مصر الجوى من خلال ثلاثة حوادث أصابت ثلاث طائرات فى غضون أسابيع محددة، يصعب أن تتجمع فى دولة واحدة إلا إذا كان الهدف حرمان مصر من عائد السياحة، فضلا عن محاولات حرمان مصر من حقها فى الدفاع عن نفسها بمنع وصول طائرات الأباتشى وطائرات اف16 ومنع وصول قطع الغيار لأسلحتها الأمريكية الصنع، لأنها أسقطت فى يونيو المخطط التآمرى لجماعة الإخوان المسلمين وإدارة الرئيس أوباما الذى استهدف تصفية القضية الفلسطينية على حساب الأرض المصرية.

لم ترتكب مصر جرما فى حق الولايات المتحدة كى تستحق هذا العقاب، ولم ترتكب جريمة فى حق الشعب البريطانى كى يتآمر رئيس وزراء بريطانيا على السياحة المصرية علنا، وكل ما فعلته مصر أنها تخلصت من حكم جماعة الإخوان المسلمين الذى لم تطق عليه صبرا سوى بضعة شهور، وبرغم هذا الظلم الفادح تذرعت مصر بالصبر وصابرت كثيرا وحاولت قدر الإمكان أن ترمم علاقاتها مع الغرب والأمريكيين، لكن الغرب الذى فوجئ بسقوط مخططه التآمرى فى يونيو استمر فى استهداف مصر وممارسة كل صور الضغوط السياسية والاقتصادية، داعيا الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى الاكتفاء بفترة حكم واحدة فى سابقة لم يشهد لها التاريخ مثيلا، رغم أن السيسى أبدى حرصه الكبير على الحفاظ على علاقات جيدة تربط مصر والولايات المتحدة، كما أبدى حماسه لسياسة اقتصادية ليبرالية تشجع المشروع الخاص وتفتح أبواب مصر للاستثمار العربى والأجنبى وتشجع التجارة الدولية.

لم يتورط الرئيس السيسى فى أى من صور العداء مع الغرب لكن سقوط جماعة الإخوان المسلمين أسقط مخطط أوباما التآمرى الذى استهدف تسليم حكم الشرق الأوسط لجماعة الإخوان التى وثقت التزامها بان يكون حكم الرئيس التركى رجب الطيب اردوغان النموذج الجديد للإسلام المعتدل كما يراه الغرب، الذى يشارك فى حلف الناتو ويلتزم بعلاقات تحالف وثيق مع إسرائيل ويوظف أيديولوجيته لصالح التحالف مع الغرب، وبرغم صعوبة التنبؤ بالأوضاع التى سوف تؤول إليها الولايات المتحدة بسقوط هيلارى كلينتون وسقوط إستراتيجية الرئيس أوباما، ونجاح المرشح الجمهورى دونالد ترامب الذى فاجأ الجميع،إلا أن نجاح ترامب يؤكد دون شك رفض الأمريكيين البيض لمجمل السياسات الأمريكية التى انتهجها أوباما، وتقوم على المعايير المزدوجة وتعتبر جماعة الإخوان المسلمين حليفا يمكن الوثوق به، ويمكن أن تتحالف مع الأصولية الدينية، وتحض على قسمة العالم الإسلامى إلى سنة وشيعة، وتصر على تأجيج الصراع العربى الفارسى .. وأظن أن ترامب سوف يحافظ على وعده مع الرئيس عبدالفتاح السيسي، ويؤكد رفضه التعاون مع جماعة الإخوان المسلمين التى يعتبرها ترامب واحدة من أخطر الجماعات الإرهابية.

الواضح أيضا أن مجمل سياسات أمريكا فى الشرق الأوسط سوف تتعرض لمتغيرات جذرية خاصة فى علاقاتها مع كل من السعودية وقطر، لأن ترامب يرى فى الوهابية رافدا مهما من روافد التطرف فى الفكر الاسلامي، ويصر على ضرورة تغيير مفاهيمها.. وأظن أيضا أن سقوط سياسات أوباما فى الشرق الأوسط، وسقوط هيلارى كلينتون فى انتخابات الرئاسة الأمريكية وإصلاح العلاقات الأمريكية المصرية فى ضوء وعود الرئيس الأمريكى ترامب يمثل متغيرات مهمة يمكن أن يكون لها آثارها المهمة فى المنطقة، خاصة أن ترامب التزم على نحو واضح ومباشر بمعاونة الرئيس عبدالفتاح السيسى على هزيمة الإرهاب.

لقد كانت آمال مصر كبيرة فى أن تجد لدى أشقائها العرب العون على اجتياز مصاعبها الراهنة، خاصة أن مصر لم تبخل على الأمن العربى بشىء، واعتبرت امن السعودية والخليج جزءا لا يتجزأ من أمنها الوطنى لكن ومع بالغ الأسف تعرضت العلاقات المصرية السعودية لتعنت يصعب فهم مبرراته، ووجدت مصر نفسها محكومة بشروط واشتراطات لا ينبغى أن يكون لها مكان أو مسوغ فى علاقات البلدين الكبيرين، وبدلا من أن تصبح السعودية عونا لمصر، أصبحت عنصرا ضاغطا يفرض الشروط المسبقة دون أى مسوغ ويمتنع عن تنفيذ اتفاقات تجارية تم توقيعها بالفعل ويؤجل وصول شحنات البترول لمصر عمدا حتى إشعار آخر، فضلا عن غياب فرص التشاور لإزالة أسباب الخلاف أول بأول ومع ذلك تظل الآمال كبيرة فى أن تتعاون مصر والسعودية على تصحيح مسار العلاقات بين البلدين فى أقرب فرصة.

كما أن نجاح دونالد ترامب المفاجىء يمثل متغيرا مهما يطرأ على منطقة الشرق الأوسط، فربما يكون له ذات الأثر على خطط جماعة الإخوان المسلمين التى أعلنت لأول مرة مسئوليتها عن تسيير مظاهرات مسلحة فى قلب العاصمة المصرية، أمس الجمعة، أخذا فى الاعتبار أن نجاح ترامب يمثل صدمة صاعقة لآمال الجماعة وخططها.

ولأن الجماعة وعدت فى مرات كثيرة سابقة بالخروج إلى الشوارع، إلا أن المصريين حاصروا المظاهرات فى أزقة وأحياء الزيتون والطالبية والهرم، ولم يسمحوا لها بالخروج إلى أى من شوارع القاهرة الرئيسية، ولهذه الأسباب حاولت الجماعة أن تؤكد هذه المرة جديتها وخطورتها عندما فجرت سيارتين مفخختين فى أحياء التجمع الخامس ومدينة نصر مستهدفة اغتيال قاضيين جليلين ينظران بعض جرائم الجماعة، فى اشارة واضحة إلى أن مظاهرات الجمعة (أمس) سوف تكون مختلفة هذه المرة، وربما يقع صدام دموى مع المتظاهرين يؤدى إلى سقوط عدد من الضحايا وهو عين ما تريده وتخطط له جماعة الإخوان المسلمين.

ويصبح السؤال المهم هنا، هل تجد جماعة الإخوان المسلمين فى نجاح دونالد ترامب رادعا كافيا يلزمها المزيد من الترقب وإعادة النظر فى تظاهراتها، لأن وصول ترامب إلى البيت الأبيض يعنى نهاية علاقات جماعة الإخوان السرية مع الإدارة الأمريكية وخاتمة خططها التى ربما كان يمكن أن تستمر لو نجحت المرشحة الديمقراطية هيلارى كلينتون، واعتمدت السياسات نفسها التى اعتمدتها إدارة الرئيس أوباما.

الأمر المؤكد أن الجماعة كانت تحاول الخروج بكثافة إلى الشوارع أمس، رغم المصاعب الكبيرة التى تواجهها، خاصة أنها أعلنت بصورة مباشرة مسئولياتها عن هذه التظاهرات، ظنا أنها يمكن أن تلقى بعض النجاح هذه المرة، بسبب ضيق فئات واسعة من المجتمع المصرى من ارتفاع أسعار العديد من السلع فضلا عن أن ارتفاع أسعار الوقود يمكن أن يكون سببا مضافا لارتفاع أسعار معظم السلع، لكن جماعة الإخوان المسلمين تعرف أيضا حرص المصريين على الحفاظ على دولتهم، وتصميهم على منع وقوع مصر فى دوامة الفوضى غير البناءة، كما حدث فى العراق وسوريا وليبيا واليمن، فضلا عن الآثار الدموية التى يمكن أن تحدث لأن نجاح خطط جماعة الإخوان المسلمين فى العودة إلى الحكم يتطلب الخلاص من القوات المسلحة وقوات الأمن ومعظم مؤسسات الدولة والمجتمع المدنى التى ترفض عودة الجماعة إلى الحكم، ولأن الجماعة يمكن أن تدفع ثمنا باهظا لهذه الحماقة التى يصعب نجاحها، فربما يكون الحل الأمثل، أن تتحول خطط جماعة الإخوان إلى مجرد بالونات اختبار محدودة الكلفة والنتائج، لكن الأكثر أهمية من جميع ذلك، أن المصريين على استعداد أن يدافعوا عن بقاء دولتهم حتى الموت دون أن يسمحوا بعودة الجماعة مرة أخرى إلى الحكم.

حفظ الله مصر من كل سوء لتبقى مصر المحروسة أبدا، يدخلها الجميع بسلام آمنين.

omantoday

GMT 08:43 2019 الخميس ,30 أيار / مايو

ترامب فى آخر طبعة تغيير جذرى فى المواقف!

GMT 09:11 2019 الثلاثاء ,28 أيار / مايو

أمريكا تدعم حفتر فى حربه على الإرهاب

GMT 08:27 2019 الإثنين ,27 أيار / مايو

أمريكا تُعزز وجودها العسكرى

GMT 07:30 2019 الأحد ,26 أيار / مايو

هل يحارب أردوغان قبرص؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المصريون يعتصمون بوطنيتهم دون انتظار عون الصديق أو الشقيق المصريون يعتصمون بوطنيتهم دون انتظار عون الصديق أو الشقيق



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 18:46 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 15:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab