مكرم محمد أحمد
أود ابتداء أن اشكر الزميل العزيز والصديق القديم سامى متولى على كل ما اختصنى به فى كتابه الجميل (خمسون عاما حبا فى الأهرام) من شهادة قيمة أعرف جيدا بواعثها الودودة، راجيا أن يدخل ضمن استحقاقى بعض ما جاء فى سطورها التى نزلت بردا وسلاما على القلب، لأنها شهادة من زميل مهنى (صاغ سليم) لا يستطيع احد ان يطعن على صدقه ونبله او التزامه الراسخ بأخلاقيات مهنته، أو يشكك فى الدور المهم الذى لعبه سامى متولى حارسا أمينا على صدق الخبر فى الأهرام لأكثر من عقدين من الزمان، تولى فيهما منفردا مسئولية مدير التحرير .
لقد عايشت سامى متولى اربعة وعشرين عاما فى حب الأهرام قبل أن أغادر الى دار الهلال، تجاورت مكاتبنا فى المبنى القديم نتقاسم حجرة ضيقة بلا نوافذ ضمت معنا الزميلتين الفاضلتين انجى رشدى المحرر الدبلوماسى للأهرام فى عز أوجه المتأنقة دائما دون تزيد، وأمينة شفيق المحررة العمالية أبقاها الله ذخرا للصحافة المصرية ونصيرا رشيدا قويا لحقوق الطبقة العاملة فى مصر، وتجاورنا فى المبنى الجديد للاهرام فى شارع الجلاء، كان سامى يعمل رئيسا للديسك المحلى المعنى بشئون الداخل والمحافظات وكنت أعمل عضوا فى الديسك المركزي، وغالبا ما كنا نغادر الأهرام معا فى الثالثة من صباح كل يوم بعد صدور الطبعة الثالثة والأخيرة .
كنا، انا وسامي، جزءا من مجموعة شباب حديثى التخرج لم يتجاوز عددهم 30 خريجا، جاء بهم الأستاذ هيكل تباعا الى الأهرام ليجددوا شباب الجريدة العتيقة التى كانت تضم فى ذلك الوقت بعض محررى الأهرام القدامى تتجاوز متوسطات أعمارهم الستين عاما بينهم ممدوح طه وسعيد فريد والشيخ العسكرى محرر الأوقاف وصالح بك البهنساوى محرر العدل وحامد بك عبد العزيز محرر الصحة وعثمان العنتبلى المحرر الفنى للأهرام، ونجيب المستكاوى المحرر الرياضى الأشهر، كما كان الأهرام يضم مجموعة من جيل الوسط جاءوا الى الاهرام بعد إغلاق جريدة المصري، أبرزهم محرر الشئون العربية زكريا نيل ورئيس قسم الحوادث محمود عبد العزيز، ومحمد مصطفى البرادعى محرر التعليم ورجب خضر محرر الزراعة والري، واستقدم هيكل من دار أخبار اليوم عدد من المواهب الصحفية الكبيرة ابرزها صلاح هلال وصلاح جلال وصلاح منتصر، وسلامة أحمد سلامة إضافة الى باقة فريدة من نوعها من الكتاب، تضم توفيق الحكيم ونجيب محفوظ وزكى نجيب محمود وحسين فوزى ولويس عوض وصلاح جاهين وكمال الملاخ، استطاع هيكل ببراعته ان يصنع من هذا الخليط الفريد هيئة تحرير جريدة الأهرام، الأفضل فى كل تاريخ الصحافة المصرية قاطبة، حديقة يانعة بالغة الثراء تملك أغلى النباتات وأكثرها ندرة تعطى بحب لجريدتها، وتربطها علاقات داخلية تقوم على الاحترام والود المتبادل .
وسط هذا المناخ، حيث كان الانتماء الى الأهرام يكاد يعادل الانتماء الى الوطن، نشأ تحت رعاية هيكل جيل جديد من الصحفيين المصريين يمثلون مدرسة جديدة للصحافة تجمع بين مصداقية الخبر وعقلانية الرأى ونزاهة الأداء، بينهم سامى متولى وفؤاد سعد ومحمود كامل وفهمى هويدي وسناء البيسى وبهيرة مختار وعزت السعدني وجلال الجويلى ومحمود احمد وسعيد عبد الغنى وحسين غانم ومحمود سامى واخرون أسال المغفرة إن نسيت بعضهم أعادوا الى الخبر مكانته، وحافظوا على احترام الكلمة ومصداقيتها، وانتصروا لحق الخلاف فى الرأى، وغرسوا قيم الموضوعية والنظرة العلمية واحترام عقل القارئ فى معظم كتاباتهم يشكل شخوصه اليوم شيوخ المهنة وكهولها، يتساقطون الآن مثل أوراق الخريف ليبرز مكانهم جيل جديد مختلف أكثر عملية وذكاء، وأكثر جرأة وتجديدا، لا نزال ننتظر الى أين يأخذ هذا الجيل مهنة الصحافة المصرية التى تمر الآن بظروف صعبة قاسية .