د.أسامة الغزالي حرب
قليلون أولئك الذين قرأت لهم وعنهم وانبهرت بهم مثل المفكر والأديب المصرى العظيم طه حسين، الذى تحل اليوم (28 أكتوبر) الذكرى الـ41 لوفاته، وهى التى حدثت فى غمار التداعيات المثيرة لحرب اكتوبر 1973، فحق عليها قول شوقى فى رثاء المنفلوطى الذى توفى فى نفس يوم محاولة اغتيال سعد زغلول: «اخترت يوم الهول يوم وداع، ونعاك فى عصف الرياح الناعى!.
غير ان قيمة طه حسين الفكرية والأدبية والإنسانية تظل حقيقة مبهرة، وهى تبدو اليوم- مثل كل يوم- وكأنها الضوء الساطع الذى يكشف و يفضح جحافل الظلام التى عبثا تحاول أن تخيم على مصر، وتراثها، وحضارتها. ما أحوجنا اليوم لأن نسترجع حياة طه حسين الحافلة وسيرته الخصبة ومواقفه وآراءه التنويرية الجريئة و السابقة لعصرها، بل وحياته العائلية مع زوجته العظيمة التى قال فيها عبارته الرائعة والمؤثرة :«منذ أن عرفت صوتها، لم يعرف قلبى الألم!» عظمة طه حسين أنه كان عبقريا امتلك ذهنا متوقدا، وعقلا ناقدا رافضا التسليم بما لا يقتنع به و يستوعبه.لم يمنعه حرمانه من نعمة البصر من ان يتعلم ويتفوق، وأن يقرأ ويفكر، وان ينقد، وان يدخل فى معارك فكرية وسياسية متوالية، وان يحصل على العديد من المناصب بدءا من أستاذية الجامعة ورئاستها، إلى ان يكون وزيرا للمعارف ورئيسا لمجمع اللغة العربية، فضلا عن أن يكون كاتبا صحفيا ورئيسا للتحرير عرف طه حسين قدر مصر واعتز بها، وسوف يظل كتابه الصغير والموجز «مستقبل الثقافة فى مصر» تحديا فكريا تصعب منازلته، غير أن ما جذبنى أيضا لطه حسين حبه بل عشقه للموسيقى الكلاسيكية، وهو أمر لم يكن غريبا على إنسان حرم من نعمة البصر، فوجد فيها سلواه وراحته، وأذكر اننى عندما علمت أنه كان يحب أن يستمع بالذات إلى مقطوعة الموسيقى الألمانى الكبير باخ «آلام القديس متى» حرصت على الاستماع مليا إليها، واغمضت عينى، متذكرا ومتمثلا طه حسين، لأجد دمعة تسيل على جبينى رحم الله طه حسين.